العالم.. حتى أمس
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 14 ديسمبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
كتب جيمس سكوت مقالا تحدث فيه عن كتاب جارد داياموند الذى جاء تحت عنوان «The World Until Yesterday: What Can We Learn From Traditional Societies؟» (العالم حتى أمس: ما الذى نتعلمه من المجتمعات التقليدية؟) نشر فى مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس» London Review of Books بعنوان «المحاصيل والمدن والحكومة»، تناول سكوت فيها عن خبرات الشعوب البدائية والدروس المستفادة من مارستها التى قد تفوق بعضها ممارسات دول العالم الاول من حيث علاقاتها الاجتماعية ونظمها الغذائية؛ بل كذلك ثقافتها المتنوعة بتنوع مصادر تداولها من ثقافات شفاهية بلغات محلية تمثل لغاتها تلك عمودها الفقرى وحارسها من الضياع.
بدأ سكوت مقاله بالتعريف بالكاتب جارد دايموند، عالم طيور وعالم أحياء ارتقائى وجغرافى، حيث ألمح إى أشهر مؤلفاته؛ «مدافع وجراثيم وفولاذ.. تاريخ موجز للكل خلال الثلاثة عشر ألف عاما الماضية»، تحدث فيه عن اكتظاظ المساحات بالناس والحبوب والحيوانات المستأنسة، وكيف ساعد ذلك فى خلق عالم من التفاوتات وفرص الحياة المتباينة التى نعيش بها الآن. عرض الكاتب بعد ذلك لموقفه من كتاب داياموند بكونه موضحا أهمية القوى البيئية الموضوعية: النباتات وحيوانات القطيع القابلة للاستئناس، والعوامل المسببة للمرض، والمناخ الملائم، والجغرافيا التى ساعدت على ظهور الدول المبكرة فى الهلال الخصيب والبحر المتوسط. تلك المزايا الأولية ضاعفها التنافس بين الدول فى التعدين من أجل الأسلحة وأدوات الملاحة. وقد امتُدحت مقولته كثيرا لفرضيته الشجاعة والأصيلة، وانتقدها المؤرخون والإنثروبولوجيون كثيرا لاختزالها قوس التاريخ البشرى إلى حفنة من الظروف البيئية. ومع ذلك لم ينكر أحد أن رؤية دايموند البسيطة شبه الداروينية للاختيار البشرى «من المفيد التفكير فيها».
يرى سكوت أن عنوان الكتاب الفرعى «ما الذى نتعلمه من المجتمعات التقليدية؟»، أن مكانه الأنسب فى قسم كتب ساعد نفسك بالمكتبة!
يشير سكوت إلى تساؤل داياموند «لماذا ينبغى لنا فحص هذا السجل التاريخى الشاسع للتجربة البشرية من أجل ما يمكن أن تعلمه لمجتمعاتنا الغربية المتعلمة والصناعية والغنية والديمقراطية؟» يعلق دياموند على ذلك بقوله أنه المجتمعات الأخيرة برغم كونها المجتمعات الأكثر إمعانا فى دراستها، فهى غير ممثلة تمثيلا كاملا، ويستطرد قائلا: إننا إذا أردنا التعميم بشأن الطبيعة البشرية، ناهيك عن تاريخ التجربة البشرية، لابد أن نلقى شباكنا على نطاق أوسع.
•••
انتقلت المقالة بعد ذلك إلى طبيعة ما تمثله المجتمعات التقليدية من تجارب طبيعية خاصة بكيفية بناء المجتمع البشرى. فقد توصلت إلى آلاف الحلول للمشكلات البشرية، وهى حلول تختلف عن تلك التى تبنتها مجتمعاتنا الحديثة المتعلمة والصناعية والغنية والديمقراطية، كما أوردت بعض تلك الحلول، فعلى سبيل المثال، بعض الطرق التى ربت بها المجتمعات التقليدية أطفالها وعاملت مسنيها وحافظت على صحتها وتكلمت وأمضت وقت فراغها وحل نزاعاتها قد يصيبنا بالدهشة، كما حدث معى، باعتبارها أسمى من الممارسات المعتادة فى العالم الأول.
الأدب والثقافة وجزء كبير من المعرفة مشفر فى اللغات، وإذا ضاعت اللغة ضاع جزء كبير من الأدب واللغة والمعرفة.. ولدى الشعوب التقليدية أسماء باللغات المحلية لمئات الأنواع من الحيوانات والنباتات المحيطة بها؛ وتختفى تلك الموسوعات الخاصة بالمعلومات العرقبيولوجية عندما تختلف لغاتها.. كما أن أبناء القبائل لديهم آدابهم الشفاهية، ويمثل ضياع تلك الآداب ضياع للبشرية.
ينتقل سكوت بعد ذلك إلى ضرورة الاستفادة من تلك المجتمعات فى صورتها النقية وما تقدمه لنا من خبرات تعبر عن أصل الفطرة البشرية، فيرى أنه لابد لنا من ممارسة تنشئة أطفال أكثر حميمية وتسامحا، وينبغى أن نمضى وقتا أطول فى التنشئة والحديث وجها لوجه، وينبغى أن نستفيد من حكمة آبائنا وأجدادنا ومعرفتهم، وينبغى أن نتعلم تقدير الأخطار فى بيئتنا على نحو أكثر واقعية.
•••
يعرض الكاتب بعد ذلك وجهة نظر دايموند المقتنعة بأن الانتقام العنيف هو وباء مجتمعات الصيد والالتقاط، وبالتبعية وباء أسلافنا ما قبل الدولة، المزعج. وبعد أن يختار بعض المجتمعات المقاتلة إلى حد ما (الدانى واليانومامو) كأمثلة توضيحية، ويزين روايته ببعض الأدلة غير الموثوق بها من الإخباريين، يصل إلى النتيجة نفسها التى توصل إليها ستيفن بينكر فى The Better Angels of Our Nature (ملائكة طبيعتنا الأفضل)، وهى أننا نعلم، بناء على بعض ممارسى الصيد والالتقاط المعاصرين، أن أسلافنا كانوا يتسمون بالعنف ويقتلون البشر، وأنه جرى مؤخرا فحسب (مؤخرا جدا حسب رواية بينكر) تهدئتهم وتمدينهم بواسطة الدولة. فالحياة بلا دولة أمر بغيض ووحشى وقصير. وحفظ السلام داخل المجتمع أحد أهم الخدمات التى تقدمها الدولة. وتقطع هذه الخدمة شوطا طويلا فى اتجاه تفسير المفارقة الواضحة، وهى أنه منذ ظهور أولى حكومات الدول فى الهلال الخصيب قبل نحو 5400 سنة، تخلى الناس بصورة أو بأخرى طوعا (وليس قسرا فحسب) عن جزء من حرياتهم الشخصية، وقبلوا سلطة حكومات الدول، ودفعوا الضرائب، وأيدوا أسلوب حياة فردى مريح لقادة الدولة ومسئوليها.
•••
اختتم سكوت مقاله بحقيقة أوردها داياموند بأن الاستعباد كان فى قلب الدولة. فمن المستحيل المبالغة فى الآثار الضخمة لهذه السلعة البشرية فى المجتمعات التى بلا دولة. فقد أصبحت الحروب بين الدول نوعا من رأسمالية الغنائم، حيث كانت المكافأة الكبرى هى تجارة البشر، وبعد ذلك غيرت تجارة العبيد شكل «المنطقة القبلية» تماما. فقد تخصصت بعض الجماعات فى غارات صيد العبيد، حيث نظمت حملات ضد الجماعات الأضعف والأكثر عزلة ثم كانت تبيعهم للوسطاء أو مباشرة فى أسواق الرقيق. ويتذكر أكبر أعضاء جماعات المرتفعات سنا فى لاوس وتايلاند وماليزيا وبورما ذكريات آبائهم وأجدادهم عن غارات العبيد، حيث كانت قرى المرتفعات المحصنة ذات الطرق الوعرة الملتوية الخفية التى عثر عليها المستعمرون الأوائل فى أجزاء من جنوب شرق آسيا وأفريقيا إلى حد كبير ردّا على تجارة العبيد