روسيا فى ليبيا.. عامل تصعيد
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأربعاء 14 ديسمبر 2016 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى تحليلا لطارق المجريسى «باحث ليبى متخصص بشئون السياسة والحوكمة» وماتيا توالدو «زميل سياسات بالمجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية»، حول الدور الروسى فى ليبيا وانخراطها فى النزاع وتقديم الدعم لحفتر والهدف وراء ذلك التدخل.
يستهل الكاتبان بالإشارة إلى دخول روسيا، خلسة إلى النزاع الدائر فى ليبيا، منذ صيف 2016، بعدما كانت قد نأت بنفسها عنه فى العام 2011 مع انهيار آمالها إثر عجزها عن حماية عقود بقيمة عشرة مليارات دولار كانت قد وقعتها مع نظام القذافى. نتيجة لذلك فقد ظهر عدد قليل من الفنيين العسكريين الروس على الأرض فى برقة، فى مطلع نوفمبر الماضى، بهدف إعادة تأهيل قوات اللواء خليفة حفتر، وتجديد منظومات السلاح، وتحسين الدفاعات البحرية والجوية.
وقد عمد نائب وزير الخارجية الروسى وممثل بوتين الخاص فى الشرق الأوسط «ميخائيل بوجدانوف»، إلى تعزيز التدخل الروسى على خطى النمط الذى يتبعه بوتين ويقوم على الانخراط مع البلدان عبر البحث عن حليف موثوق ويعول على روسيا، من أجل تقديم الدعم إليه. على الرغم من أن جميع الفصائل فى النزاع الليبى تأمل بالحصول على الدعم الروسى، يبدو أن خليفة حفتر، قائد ما يسمى بالجيش الوطنى الليبى، هو رجل موسكو بالفعل فى ليبيا. يتلقى حفتر دعما عسكريا أو ماديا من دول عدة بدءا من الإمارات العربية المتحدة وصولا إلى فرنسا.
•••
من جهة أخرى يتطرق الكاتبان إلى المثال الأول عن التعاون والذى كان فى مايو الماضى، عندما تولى حاكم البنك المركزى فى الشرق إدارة عملية شحن أربعة مليارات دينار ليبى من غوزناك، المؤسسة الرسمية لسك العملة التابعة للكرملين. وجد حفتر وحلفاؤه أنه لابد من إقامة شراكة مع روسيا من أجل الحد من أزمة السيولة المتفاقمة وإظهار كفاءاتهم فى حكم برقة. وقد تعرضت روسيا للانتقادات من الدول الغربية، غير أن هذه الأخيرة رضخت للأمر عندما أدركت أنه ليس بمقدورها وقف شحن الأموال ــ فتلقفت روسيا رسالة مفادها أن السلوك الأحادى فى ليبيا لن تكون له تداعيات فى الوقت الراهن. وقد توطدت العلاقة خلال شهرى يونيو ويوليو، مع توجه حفتر أولا ثم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبى، إلى موسكو لأول مرة للقاء مسئولين رفيعى المستوى. وقد أراد حفتر إبرام صفقة سلاح مع الكرملين للحصول على أسلحة برية وجوية أكثر تطورا من تلك التى ترسلها إليه حاليا مصر والإمارات.
فى ذلك الوقت، كان السفير الروسى لدى ليبيا «إيفان مولوتوف» يصر على أنه لا يجوز تسليم أية أسلحة إلى ليبيا قبل قيام مجلس الأمن الدولى أولا برفع حظر الأسلحة. بيد أن الموقف الروسى أصبح أكثر ليونة مع حفاظ معسكر حفتر على روابط مع الكرملين عن طريق البدرى الذى توجه، فى أواخر سبتمبر الماضى، إلى موسكو لينقل إليها رسالة من حفتر يناشد فيها «شن عملية عسكرية ضد الإسلاميين فى ليبيا مشابهة للعملية العسكرية فى سوريا»، وقد صرح بوجدانوف للصحفيين بأنه «سيفكر مليا» فى أى طلب تتقدم به السلطات الليبية من أجل مشاركة روسيا فى العمليات ضد الإرهابيين.
يندرج الاهتمام الروسى المتزايد بليبيا فى إطار استراتيجية أوسع تهدف روسيا من خلالها إلى استعادة دور جيوسياسى بارز فى المنطقة، بدءا من سوريا، حيث ألقت بثقلها كاملا خلف حليفها بشار الأسد. لقد رأت روسيا فى تدخلها فى سوريا نموذجا ناجحا عن دعم رجل قوى فى مقابل تعزيز نفوذها وزيادة قواعدها العسكرية والعقود ذات القيمة المرتفعة، ولذلك تعمد حاليا إلى تصدير هذا النموذج إلى بلدان أخرى تمتلك المقومات اللازمة، التى تتيح لها تحقيق مكاسب استراتيجية، على غرار مصر.
وفيما يتعلق بمصر والدعم الروسى؛ فإن الرئيس السيسى وعلى الرغم من قبضته القوية على مصر، بحاجة ماسة إلى ذلك الدعم فى الحرب التى يخوضها ضد الإسلام المتشدد، وكذلك من أجل منح جرعة زخم للاقتصاد المتعثر. وفى هذا الإطار، يكشف تعزيز الروابط الثنائية والتدريبات العسكرية المشتركة أن روسيا سعيدة بمنح السلطات المصرية المساعدة التى تحتاج إليها، والتى كانت الولايات المتحدة تقدمها فى ما مضى.
يشكل الدعم الروسى لحفتر استمرارية لهذه الاستراتيجية القائمة على دعم قائد عسكرى يردد خطابا مناسبا عن مكافحة التشدد الإسلامى والإرهاب، ويحتاج إلى المساعدة من الروس، كما أنه فى موقع يخوله تمهيد الطريق أمام روسيا لتحقيق أهدافها فى المنطقة. كما أن تقديم الدعم لحفتر لن يثير غضبا عارما فى واشنطن نظرا إلى أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يحبذ الأنظمة السلطوية المناهضة للإسلاميين. وعلى النقيض من هيلارى كلينتون، ليست لترامب مصلحة فى كبح التأثير الروسى فى المنطقة، كما أنه غير متحمس لدعم تشكيل حكومة وحدة فى طرابلس.
هذه الاستراتيجية التوسعية التى لا يعيقها شىء تتمخض عنها عواقب وخيمة على النزاع الليبى قد تدفع به نحو التصعيد. على الرغم من المناشدات التى نقلها مبعوث حفتر، غالب الظن أن بوتين لن يلجأ إلى تدخل مباشر وواسع النطاق فى ليبيا، كما يفعل فى سوريا منذ عام ونصف العام. بيد أن روسيا تعمد، تحت ستار مكافحة الإرهاب، إلى زيادة دعمها شيئا فشيئا لوكلاء موثوقين على غرار حفتر والجيش المصرى الذى أرسل معدات وأسلحة لدعم قوات حفتر.
•••
يختتم الكاتبان بأنه إذا مارست روسيا ضغوطا على الأمم المتحدة لرفع حظر الأسلحة وتسببت بتقويض القرارات، التى تنص على استقلالية المؤسسات النفطية والمالية الليبية، سوف يتمكن حفتر من توسيع حربه ضد الإرهابيين الذين وضع لهم تعريف فضفاض. وقد يؤدى الدعم الروسى الواسع لحفتر إلى الإطاحة بالعملية السياسية عبر انتفاء حاجته إلى التفاوض مع حكومة الوفاق الوطنى، الأمر الذى قد يعود بنتائج عكسية على الأهداف الروسية المعلنة بالتصدى للإرهاب. وغالب الظن أن حفتر غير قادر على نشر الاستقرار فى ليبيا بكاملها، على الرغم من طموحاته، ومن شأن أى تقدم نحو الغرب أن يقحمه فى نزاع مع العديد من المجموعات المسلحة التى ترى فيه تهديدا وجوديا، ما قد يؤدى إلى التصعيد أو إلى مزيد من الفوضى.
النص الأصلى: https://goo.gl/vtD0Su