جرائم إسرائيل تستنفر التكفيريين
بشير عبد الفتاح
آخر تحديث:
الإثنين 15 يناير 2024 - 6:55 م
بتوقيت القاهرة
بينما احتفت الولايات المتحدة وتحالفها الدولى، فى مارس الماضى، بالذكرى الرابعة لدحر تنظيم «داعش» الإرهابى، الذى تتواصل الجهود العالمية لملاحقة فلوله، تتعاظم المخاوف، منذ السابع من أكتوبر الفائت، من أن تفضى عملية «طوفان الأقصى»، وما تلاها من عدوان إسرائيلى غاشم، فى ساحات شتى كقطاع غزة، الضفة الغربية، جنوب لبنان، سوريا، واليمن، إلى إنعاش التنظيمات التكفيرية.
فاقمت جرائم الإبادة التى تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلى بحق الفلسطينيين، مشاعر الاستياء، التى تفننت جماعات مثل «داعش»، «القاعدة»، وأخرى موالية لإيران، فى استثمارها. حيث تؤدى الانتهاكات الإسرائيلية، إلى إضفاء الصدقية على السردية الإسلاموية العالمية، التى تروج لاستهداف الإسلام وأتباعه من لدن قوى الكفر ودوائر الإلحاد.
أثنى تنظيم «القاعدة» على عملية «طوفان الأقصى»، ووضعها ضمن سياق «الجهاد العالمى» ضد التحالف «الصهيونى ــ الصليبى». وفى منتصف أكتوبر الماضى، أصدرت القيادة العليا للتنظيم، بيانا يحتفى بالعملية، ويدعو إلى تعبئة جماعية للمساعدة فى القتال، عبر فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل، ونقل المجاهدين إلى غزة لاستهداف «الصليبيين» والإسرائيليين فى كل مكان، لاسيما الدول العربية، التى قامت بتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال. أما «داعش»، فتطرق إلى «طوفان الأقصى» علنا فى افتتاحية صحيفة «النبأ» يوم 19 أكتوبر الماضى، مقترحا «خطة عملية» لمجابهة الصلف الصهيونى، من خلال استهداف «الوجود اليهودى» فى فلسطين والعالم أجمع. كذلك، حرص «داعش» على توظيف حرب غزة لتعضيد دعائمه الحركية، التى يبنى عليها خطة انتشاره وتمكينه عالميا. وهى الخطة التى ترنو إلى إقناع الأتباع والمتعاطفين بأن القضاء على طغيان الغرب، إنما يتأتى بإسقاط الأنظمة العربية والإسلامية، فيما يعرف باستراتيجيات «العدو القريب والبعيد». ولعل هذا ما يفسر انحسار نشاط التنظيمين بالأراضى المحتلة، إلى حده الأدنى.
كذلك، خصص التنظيم، الذى بات يسيطر على أراضٍ فى غرب أفريقيا تعادل مساحة دولة خلافته البائدة بسوريا والعراق، مقالات افتتاحية بصحيفة «النبأ» لتوظيف عملية «طوفان الأقصى» وما استتبعته من أحداث، لتفنيد حجج الجماعات التكفيرية المنافسة، وزيادة أتباعه ومريديه فى بلاد العرب والمسلمين. إلى جانب تجديد التواصل مع ذئابه المنفردة فى البلدان الغربية، واستنفارهم لتنفيذ هجمات مؤثرة. مع التشكيك فى جدوى أيديولوجيات الجهاد المحلى، التى تنذر بتقويض فروع «داعش» حول العالم. يأتى هذا، بينما تلاقت مطالبات بغداد بخروج تفاوضى، سريع ومنظم للقوات الدولية، التى تقودها واشنطن، من العراق؛ مع إلحاح فصائل موالية لإيران، بضرورة رحيل تلك القوات، إثر الضربات الأمريكية، التى استهدفت تلك الفصائل أخيرا، ردا على هجمات بالمسيرات والصواريخ، أمطرت بها الوجود الأمريكى بالعراق، منذ اندلاع العدوان الإسرائيلى الخامس على قطاع غزة. وهى التطورات التصعيدية، التى عززت المخاوف من أن يغدو العراق، مجددا، مسرحا لصراع إقليمى.
تؤكد أوساط استخباراتية غربية أن جماعات تابعة لـ«داعش» أطلقت دعوات للقيام بهجمات إرهابية على أهداف يهودية وغربية. فبعيد ساعات من تبنيه تفجيرى محافظة كرمان الإيرانية، اللذين أسفرا عن مقتل ما يناهز مائة شخص وإصابة العشرات؛ أعلن تنظيم «ولاية خراسان» مسئوليته عن تفجير حافلة بحى شيعى فى كابول، أوقع قتيلين و14 مصابا. وبعدها بأيام قلائل، شن «داعش» هجوما على نقاط تمركز للقوات النظامية بشرق سوريا، ملحقا أضرارا بشرية ومادية، طالت تمركزات لفصائل موالية لإيران. كما تبنى «داعش» هجوما واحدا على الأقل فى أوروبا حتى الآن. وفى 13 أكتوبر، قام مهاجر شيشانى، موالٍ لـ«داعش»، بقتل مدرس فى فرنسا بسكين. وفى 16 أكتوبر، أطلق مهاجر تونسى النار على مواطنين سويديين ببلجيكا، بدافع الانتقام لحرق القرآن الكريم فى السويد، ومقتل صبى أمريكى من أصل فلسطينى على يد يهودى أمريكى فى شيكاغو. وزعم الجناح الإعلامى لـ«داعش» أن المهاجم التونسى فعل فعلته تلبية لدعوات أطلقها التنظيم من أجل مهاجمة مواطنى الدول، التى تقاتل التنظيم الإرهابى فى العراق وسوريا. وتزامنا مع توسع استهداف حوثيى اليمن للسفن التجارية والبوارج الحربية التابعة لإسرائيل وحلفائها، فى البحر الأحمر، تضامنا مع مأساة الفلسطينيين، تم تسجيل حالات قرصنة قبالة سواحل الصومال، للمرة الأولى منذ عام 2017.
تعتبر صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن إعلان «داعش» مسئوليته عن تلك العمليات الإرهابية، إنما هو إشارة إلى استمرارية التنظيم فى تلقى الإمدادات اللوجستية من أسلحة، عتاد، مؤن، ذخيرة. فضلا عن تحريك مقاتليه ونقلهم من ساحة إلى أخرى، وبناء قدرات قتالية لأجيال جديدة. وأنه لا يزال يملك القدرة على تنفيذ أجندته العابرة للحدود، وشن هجمات خطيرة داخل الدول، التى يدرجها ضمن مخططاته العملياتية؛ مستندا إلى استراتيجية خلق الفوضى، والاستفادة من المواجهات المسلحة بين الأطراف المتناحرة.
عبر انتقاده اللاذع للأنظمة الحاكمة فى المنطقة، يبتغى «داعش» تعظيم فرصه فى تجنيد المريدين، وتوسيع دائرة المتعاطفين. فلقد دعا عناصره لتنفيذ هجمات ضدها، عقابا لها على عدم اتباع النهج الصحيح للشريعة الإسلامية، وتقاعسها عن التصدى للعدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين. وخصص التنظيم مقالا افتتاحيا بالعدد (417) من صحيفة «النبأ» للتشكيك بجدوى القمة العربية الإسلامية الطارئة، التى استضافتها الرياض فى نوفمبر الماضى، بما يخدم استراتيجيته الساعية لنشر الاضطرابات فى دول الإقليم، وزعزعة استقرار أنظمتها. ولم يتورع «داعش» عن الادعاء أنه لو كان مسيطرا على مقاليد حكم الشام حاليا، لأسهم فى نصرة غزة، عبر توحيد العرب والمسلمين تحت رايته. زاعما أن الغرب والمتعاونين معه، يناهضون التنظيم بقصد إضعاف مناصرى الفلسطينيين.
تأبى التباينات الأيديولوجية بين التنظيمات الجهادية، إلا تقويض قدرتها على استثمار مأساة العدوان الإسرائيلى الخامس على الفلسطينيين. فعلى وقع الخلافات الأيديولوجية العميقة بين حماس والجماعات التكفيرية العالمية، انبرى «داعش» فى توظيف حرب غزة لنقد خصومه وتفنيد عقيدتهم ومنهجهم الحركى، بغية استقطاب المؤيدين والمقاتلين. ففى بداياته، أعلن التنظيم المتخوف من تنامى أيديولوجيا الجهاد المحلى على حساب استراتيجية الجهاد العالمى، تكفيره حماس، كما امتنع عن الإشادة، صراحة، بطوفان الأقصى. وفى افتتاحية بجريدته «النبأ»، عام 2016، وبخ الحركة «المرتدة» لممارستها «كفر الديمقراطية»، وفشلها فى تطبيق الشريعة. وبينما تزايد فصائل الإسلام السياسى المتشددة على نظيرتها المعتدلة، تباشر «داعش» تنفيذ خطط إزاحة نماذج حماس وطالبان، بذريعة انخراطهما فى العملية السياسية، تهاونهما فى الثوابت وتخليهما عن الجهاد المقدس. وفى فلسطين، يعيد التنظيم تقديم نفسه باعتباره البديل العقائدى الأكثر صدقية ونقاء فى الكفاح ضد القوى الاستعمارية الغربية وإسرائيل. وعلى غرار «القاعدة»، ينشد «داعش» توسيع نطاق الحرب لتستهدف الغرب، العرب واليهود أينما حلوا؛ ولكنه خلافا لتنظيم «القاعدة»، لم يبدِ أى دعم للمسلحين الفلسطينيين، الذين طالبهم بإصلاح أنفسهم. فى المقابل، احتفل تنظيم «القاعدة»، المنافس لـ«داعش» على قيادة «الجهاد العالمى»، بالهجوم؛ ودعا إلى توسيع نطاق المعركة، على رغم انتقاداته لحماس. ورغم دعوتهما لتوسيع الجهاد ضد اليهود، لا يعترف «داعش» أو «القاعدة»، إلا بما يسميانه «الجهاد الخالص» فى الأراضى الفلسطينية، والذى لا يضطلع به سوى أتباعهما.
انطلاقا من تأكيدات رئيس الأركان الإسرائيلى السابق، غادى أيزنكوت، فى حواره لصحيفة «معاريف»، بشأن تعاون دولة الاحتلال مع واشنطن، فى محاربة «داعش» غرب سوريا؛ هرع التنظيم يروج لعملياته المحدودة ضد أهداف إسرائيلية، مقدما نفسه كبديل لحماس، التى نعتها بالمتخاذلة والمرتدة، كونها موالية لإيران الشيعية. ويصبو «داعش» إلى تعظيم مكانته الجهادية على حساب حماس، التى يراها مترنحة ما بين السياسة والعسكرة، كما تتأرجح بين هويتها النضالية، وطموحاتها السياسية السلطوية. الأمر الذى دفع بعناصر وقيادات وازنة من كتائب القسام إلى مغادرة الحركة، والالتحاق بصفوف التنظيم الداعشى.