رياح التغيير القادمة من جنوب إفريقيا!
العالم يفكر
آخر تحديث:
الخميس 15 فبراير 2018 - 10:15 م
بتوقيت القاهرة
• هل هو تغيير حقيقى أم مجرد انتقال من دولة الرجل الواحد إلى دول الحزب الواحد؟
نشرت مؤسسة The Institute for Security Studies مقالا للكاتب الصحفى المتخصص فى الشئون الخارجية «بيتر فابريسيوس»، والذى يتناول فيه التطورات الأخيرة فى منطقة جنوب إفريقيا والتغيرات فى رأس السلطة عبر الطرق المختلفة فى زيمبابوى وأنجولا وجنوب إفريقيا، والتساؤل حول مدى جدية تلك التغييرات، وهل هى تغييرات حقيقية أم مجرد انتقال من دولة الرجل الواحد إلى دولة الحزب الواحد؟. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أنه يوم الثلاثاء الماضى قرر حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى الحاكم فى جنوب إفريقيا إقالة الرئيس جاكوب زوما من منصبه رئيسا للبلاد، وفى حال رفض زوما الخضوع لهذا القرار من المرجح أن يلجأ الحزب فى غضون أيام معدودة للتصويت على حجب الثقة عنه فى البرلمان.
فى البداية يتحدث الكاتب عن عام 2017 وذلك لكونه العام الحافل بالأحداث المهمة وخاصة فى منطقة الجنوب الإفريقى. فى نهاية هذه الحقبة يبدو أن الديناصورات السياسية قد خرجت من المشهد السياسى. فى سبتمبر الماضى تنحى الرئيس الأنجولى «جوزيه إدواردو دوس سانتوس» عن منصبه بعد ما يقرب من 38 عاما على رأس السلطة. وحل محله وزير الدفاع «جواو لورينسو». وفى نوفمبر الماضى، أزيح الرجل القوى فى زيمبابوى «روبرت موجابى» من السلطة من خلال عملية انقلاب مدعومة من الجيش بعد ما يقرب من 37 عاما فى السلطة. وحل محله نائبه السابق «إيمرسون منانجاجوا». وفى ديسمبر الماضى، واجه رئيس جنوب إفريقيا «جاكوب زوما» أيضا كسوفا سياسيا وشيكا. وقد اعترض نائبه «سيريل رامافوسا» على خططه للسيطرة على حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى الحاكم من الخارج.
وكل هذه الأحداث أثارت تساؤلات مهمة ومنها: هل من سيخلفهم سيكون على الشاكلة نفسها ــ باعتبارهم من الحزب الحاكم نفسه لأسلافهم من الأحزاب التى بقيت لفترات طويلة جدا فى السلطة ــ أم أنها سوف تكون بداية حقيقية لحقبة جديدة حقا؟
هل الإصلاحات فى دول الجنوب الإفريقى لا تتعلق فقط إلا بتحديث هيمنة حركات التحرير السابقة؟
لقد بدأ القادة الجدد فى البلدان الثلاثة كافة فى الإجابة عن هذا السؤال بشكل عملى بدلا من إعطاء الوعود فقط. فنجد «لورينسو» ــ على سبيل المثال ــ سرعان ما بدد الشكوك بأنه سيكون «دوس سانتوس» فى ثوب جديد، حيث قام بإقالة ابنة الرئيس السابق «ايزابيل دوس سانتوس» من وظيفتها باعتبارها رئيسة شركة النفط الوطنية «سونانجول».. ثم أعطى «لورينسو» عفوا مؤقتا لبقية النخبة الفاسدة فى أنجولا لاسترداد الأموال المنهوبة ــ والتى وضعت فى الحسابات المصرفية الأجنبية ــ أو مواجهة عواقب وخيمة.
وبطرق أخرى، تحرك «لورينسو» أيضا لإحياء الاقتصاد المحاصر حتى يتمكن من جذب المستثمرين الأجانب. وقال وزير خارجيته «مانويل دومينجوس أوجوستو» فى مقابلة مع صحيفة «لوموند» أن «أنجولا التى كانت تعيش فى عزلة يجب أن تعيد الاتصال بالاقتصاد العالمى من جديد».
ونجد «منانجاجوا» هو الآخر أيضا يسعى إلى إنقاذ ما تبقى من اقتصاد زيمبابوى الأكثر تدهورا، حيث قام بتقديم عفو لمدة ثلاثة أشهر لاستعادة الأموال المنهوبة.. واتخاذ إجراءات لجعل البلاد أكثر جاذبية للمستثمرين. وشملت هذه الإجراءات الإلغاء الجزئى لقانون التوطين الذى يقضى بضرورة أن تتنازل الشركات الأجنبية فى زيمبابوى عن نسبة 51 % من أسهمها للمواطنين المحليين، وقد أثار هذا القانون موجة عارمة من الجدل فى السنوات الأخيرة، داخل زيمبابوى وخارجها، وبات ينظر إليه باعتباره معوقا ضخما فى وجه تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى البلاد.
بالإضافة إلى اتخاذ اجراءات للحد من زيادة الإنفاق وهدر الموارد، حيث قام بحظر السفر جوا على الدرجة الأولى للمسئولين باستثناء الرئيس ونائبه، وتخفيض عدد الوظائف الدبلوماسية الخارجية، والتقاعد الإلزامى لموظفى الخدمة المدنية الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما. بالإضافة إلى تقديم تعويضات للمزارعين البيض الذين تم الاستيلاء على أراضيهم منذ عام 2000 فصاعدا، والذى كان له دورا كبيرا فى انهيار الاقتصاد.
ومن جانب آخر نجد أنه على الرغم من أن «رامافوسا»، لم يصبح رئيسا لجنوب إفريقيا حتى الآن، ولكنه بدأ بالفعل فى استعراض قوته من خلال حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى، وعلى صعيد آخر وجه القضاء فى جنوب إفريقيا صفعة جديدة للرئيس «جاكوب زوما»، حيث أمره بتشكيل لجنة تقصى حقائق خلال شهر للتحقيق فى سلسلة قضايا فساد منسوبة إليه.
وكان رئيس الدولة قد رفع دعوى قضائية بهدف إبطال تقرير رسمى محرج له. ويسلط هذا التقرير الضوء على تورط عائلة رجال أعمال صاحبة نفوذ هى «الجوبتا»، فى إدارة شئون الدولة، وفى تعيين وزراء، إضافة إلى ممارسة الضغوط للحصول على عقود حكومية. ورفضت المحكمة العليا فى بريتوريا طلب رئيس الدولة. وقالت إنه «تهور كثيرا» فى مطالبته بإلغاء التقرير.
وقال القاضى «دونستان ملامبو» إن «سلوك» جاكوب زوما «لا يليق برئيس دولة مسئول عن دعم المؤسسات الديموقراطية»، إشارةً إلى محاولته منع نشر الوثيقة التى تدينه، فضلا عن مطالبته بإلغائها. وأمرت المحكمة العليا بأن يدفع زوما كل التكاليف المتعلقة بالإجراءات القانونية والقضائية. وقال «ملامبو»: «إن موقف الرئيس هو أقرب إلى محاولة لعرقلة العمل الدستورى» للقضاء. ومن المتوقع أن يفرض على زوما الاستقالة المبكرة من منصبه قبل انتهاء فترة ولايته فى منتصف عام 2019.
هل من المرجح أن نرى إصلاحات بعيدة المدى تفتح المجال السياسى لأحزاب المعارضة؟
يضيف الكاتب أن «لورينسو»، و«منانجاجوا» و«رامافوسا» كلهم تحولوا إلى نجوم فى المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس، وهو ما يشير بوضوح إلى العودة إلى المجتمع العالمى. وتعد هذه الزيارة هى الأولى التى يقوم بها رئيس أنجولى لنخبة من رجال الاعمال العالميين. ثم توجه كل من «منانجاجوا» و«لورينسو» إلى قمة الاتحاد الإفريقى فى أديس أبابا. وبينما كان «موجابى» منتظما فى حضور قمم الاتحاد الإفريقى، لم يحضر «دوس سانتوس» منذ عام 2010.
ويوضح الكاتب أن هذه الأحداث الموازية فى أنجولا وزيمبابوى وجنوب إفريقيا قد استبقت بأحداث مشابهة من قبل فى عام 2015 فى بلدان أخرى فى المنطقة ما زالت تسيطر عليها حركات التحرير السابقة. فى تنزانيا ــ على سبيل المثال ــ خلف «جون ماجوفولى» «جاكايا كيكويتى» كزعيم لحزب «شاما شا مابيندوزى» الحاكم وبدأ فى التصدى للفساد وهدر الموارد. وفى موزمبيق، حل «فيليب نيوسى» محل «أرماندو جويبوزا» رئيسا وطنيا فى عام 2015، ثم أطاح به كزعيم لجبهة تحرير موزمبيق، وبدأ فى استئصال الفساد.
وتثار هنا العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت ھذه التغييرات متعمدة من قبل حرکات التحریر السابقة فقط لضمان بقاءھم فى السلطة؟ أم أننا من المرجح أن نرى إصلاحات بعيدة المدى تفتح حقا المجال السياسى لأحزاب المعارضة وتخلق احتمالية حقيقية بأن تخسر حركات التحرير فعلا ــ وتسلم ــ السلطة فى المستقبل المنظور؟
حركات التحرير السابقة فى الجنوب الإفريقى تدرك التهديد الذى تتعرض له سلطتها بسبب الفساد.
للمساعدة فى الإجابة عن هذا السؤال، من المفيد قراءة تقرير «الحرب مع الغرب» الذى أعده قادة حركات التحرير فى جنوب أفريقيا ــ الذين حكموا منذ الاستقلال ــ فى اجتماعهم لعام 2016 فى زيمبابوى. ويصف هذا التقرير بتفصيل خفى كيف أن التهديد الرئيسى الذى تواجهه حركات التحرير هو أجندة لتغيير النظام وضعتها القوى الغربية بالتعاون مع أحزاب المعارضة المحلية والمجتمع المدنى وما شابه ذلك. وبالتالى، فإن أحزاب المعارضة ليست مجرد تروس فى المؤامرة العظيمة.
كما يصف التقرير أيضا كيف أن الفساد المتفشى يلحق ضررا خطيرا بصورة حركات التحرير وحكوماتها؟. وهذا يؤدى إلى فقدان الناخبين الثقة فى ممثليهم المنتخبين والحزب الذى يدعمونه... ومن ثم يجب اقتلاع الفساد لحماية «الأحزاب الثورية». كما يحذر قادة حركات التحرير من مخاطر خلق الطوائف الشخصية، والقادة الفرديين بدلا من «أيديولوجية وسياسات حقيقية للحزب».
ومن الواضح أن جميع حركات التحرير قد أدركت التهديد الذى تتعرض له سلطتها بسبب الفساد وتعهدت بالتخلص منه. ومن الصعب الجزم بأن كل هذه التغيرات تشى بأن رياح تغيير حقيقية قادمة من المنطقة. ولكن من المؤكد أنه لا يوجد دليل فى تقرير «الحرب مع الغرب» على الرغبة فى التحول الجماعى المفاجئ إلى الديمقراطية.
وختاما يضيف الكاتب أنه من السابق لأوانه الحديث عما إذا كانت هناك رياح تغيير حقيقية قادمة بالفعل من منطقة الجنوب الإفريقى أم أن حركات التحرير تنخرط فقط فى استراتيجيات البقاء المشتركة للحفاظ على «حقها فى الحكم» بطرق أكثر فاعلية.
وأنه لابد أن يكون لدينا رؤية أوضح حول ما إذا كانت دول الرجل الواحد قد تطورت إلى دول الحزب الواحد، أو إلى ديمقراطيات حقيقية متعددة الأحزاب!!
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى