الشرق الأوسط الجديد: سيناريوهات المستقبل
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
الأحد 15 مارس 2015 - 9:25 ص
بتوقيت القاهرة
أى مستقبل ينتظر دول الشرق الأوسط؟ كان هذا السؤال ومازال محوريا منذ اندلاع الثورات العربية منذ أربعة أعوام ومازال يتردد مع مستجدات متشابكة تمثلت فى تراجع القوى الديموقراطية والثورية فى معظم الدول العربية مع إعادة الاعتبار للأدوات العسكرية وخصوصا مع تزايد الإرهاب والعنف والاستقطابات السياسية وتراجع الزعامات الكاريزمية ودعم البنى المؤسسية فضلا عن الترتيبات الديموقراطية. فى شرق أوسط «لم يكسب أحد»، علينا إذا الإجابة عن سؤالين محوريين، الأول هل الثورات العربية هى السبب فى هذه الفوضى وهذه الانهيارات؟ أما الثانى فهو يتعلق بمحاولة وضع سيناريوهات لمستقبل المنطقة الملتهبة بطبيعتها.
أما الإجابة عن السؤال الأول فهى قطعا بالسلب، فالعالم بتاريخ الثورات يعرف أن تطوراتها تأخذ موجات صعود وهبوط متتالية، وأن مقاومة الأنساق القديمة سواء كانت سياسية، تنظيمية أو ثقافية للقوى الثورية التى تبحث عن التغيير وخلق نسق جديد هى سُنة الثورات. بعبارة أخرى ما يحدث الآن يتمتع بالحتمية التاريخية، فالأنظمة التى رفضت التغيير والإصلاح وقبلت بمعادلة الفساد وسياسات الأمر الواقع كان لابد لها يوما ما من السقوط، ولو لم يكن هذا اليوم فى 2011لكان حتما فى وقت لاحق. لا فائدة إذا من التندر أو استدعاء الأيام الخوالى، ومن الأفضل إذا النظر إلى المستقبل والإعداد له. ولكن يكون السؤال التالى إذا أى مستقبل؟
•••
أى مستقبل هذا الذى ينتظر منطقة انهارت فيها سوريا وانقسم فيها العراق واليمن وتفتت ليبيا وتعانى فيها مصر والسودان ودول الخليج من تحديات جمة أمنيا واقتصاديا وسياسيا؟ أى مستقبل ينتظر دول يلعب ــ ولايزال ــ النفط فيها المحدد الرئيسى لأسس وقواعد اللعبة السياسية فى ظل انفجارات سكانية وتزايد فى معدلات البطالة وتراجع فى معدلات الصحة وجودة التعليم، بحسب الإحصاءات الدولية؟
فى تقديرى هناك ثلاثة سيناريوهات مرجحة لدول المنطقة، وذلك على النحو التالى:
أولا: الشرق الأوسط الإسلامى: المقصود بهذا السيناريو أن قوى الإسلام السياسى ستتمكن من تحقيق حلمها المؤجل بالقيام بثورات إسلامية فى دولها، تسقط فيها الملكيات والجمهوريات معا، وتؤسس نسخا متباينة من دول الخلافة على مستوى مركزى تمهيدا لإعلان قيام فيدرالية إسلامية سنية لاستعادة نموذج دولة الخلافة. وفقا لهذا السيناريو فإن قوى الإسلام السياسى والتى تم استبعادها من اللعبة السياسية أو على الأقل تهميشها فى معظم الدول العربية ستتمكن من تحقيق اختراقات للنظم القائمة والقيام بانقلابات دموية للانتقام من القوى السياسية التى شيطنتها واستبعدتها وشرعنت دمها. تحقق هذا السيناريو رهين بأربعة شروط؛ الأول: أن تنجح القوى الإسلامية فى تحقيق النجاح فى دولة ما «نموذج» مثل مصر على سبيل المثال، يتبعها ثورات إسلامية فى معظم دول المنطقة المحتذية بها، والثانى: أن تنجح الدولة الإسلامية فى داعش فى مقاومة الضربات العسكرية الموجهة إليها من دول التحالف لتثبت وتنتصر فى الأراضى السورية والعراقية، مهمشة للقوى الشيعية فى هاتين الدولتين وضاغطة على باقى التخوم الشيعية فى الخليج العربى ولبنان. والثالث: أن تنجح هذه القوى الإسلامية السنية فى معظمها فى التنسيق فيما بينها والإبقاء على التعاون وعدم الوقوع فى فخ الصراعات البينية والداخلية. أما الشرط الرابع والأخير فهو: أن تتمكن من الحصول على دعم دولى (أمريكى؟) وآخر إقليمى (تركيا؟) حتى تقوم بتثبيت أقدامها فى المنطقة. رغم أن هذا السيناريو يجب عدم استبعاده تماما من حسابات المحللين والساسة على السواء إلا أن تحققه مرهون بتحديات جمة، فالشروط الأربعة السابقة صعبة التحقيق إن لم تكن مستحيلة فى ضوء صعوبة تحقيق انتصار للإسلاميين فى مصر وصعوبة دعم أمريكا لنموذج إسلامى ثورى حقيقى خاصة بعد خبرة إيران وفى ضوء الخوف على أمن إسرائيل. بالإضافة إلى كل ذلك فالخلاف بين القوى الإسلامية على قيادة هذا النموذج الثورى وعلى اختيار الخليفة وعلى معنى تطبيق الشريعة سينتهى بها إلى صراعات كانت وستظل علامة فارقة فى تاريخها منذ انتهاء الخلافة الراشدة. لا داعى أن نقول إن هذا السيناريو إن حدث فإنه لن ينتج غالبا أى ديموقراطية أو حرية ولكنه سيدفع المنطقة إلى شلالات دماء أكبر من تلك التى يتم سفكها بالفعل حاليا!
ثانيا: الشرق الأوسط الديموقراطى: ووفقا لهذا السيناريو، فإنه فى ظل استمرار عجز معظم أنظمة المنطقة عن اتباع سياسات إصلاحية ادماجية، وفى ظل التحديات الاقتصادية والأمنية فإن التكتل الواسع للقوى الثورية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار سيتمكن من حشد الناس لثورة ثانية أو ثالثة، تعيد الإطاحة بالأنظمة الحالية لصالح أنظمة أكثر ديموقراطية وتعددية تقوم بإعادة بناء أطر دستورية وقانونية تنتج مؤسسات وسياسات وكوادر مؤمنة بالسيطرة المدنية والمواطنة، فتتحول معظم دول المنطقة إلى نماذج متباينة من الديموقراطيات التمثيلية النيابية أو التوافقية. رغم أن هذا السيناريو مازال يداعب الكثير من شباب المنطقة وخصوصا هؤلاء الذين عاشوا أحلام 2011، إلا أن صعوبة تحقق هذا السيناريو لا تتوقف فقط على تحدى تحقق مثل هذا التوافق فى الصفوف الثورية على اختلاف انتماءاتها، ولكنه يتمثل أيضا فى أن الدعم الدولى والإقليمى لمثل هذه الموجة الثانية من الثورات العربية أو الشرق الأوسطية سيكون محدودا فى ظل ارتفاع كلفة التغيرات المستمرة فى قواعد اللعبة. فضلا عن أن غياب البدائل السياسية والاقتصادية لدى القوى الحالمة بالتغيير فى المنطقة وضعف احتكاكها بالجماهير وعدم قدرتها بعد على تطوير أطر للحشد والتعبئة بالإضافة إلى أثر عامل البترول السياسى فى الإبقاء على الأوضاع المحافظة ودعم القوى التقليدية من شأنه إبعاد هذا السيناريو عن الحسابات، ولو مؤقتا.
ثالثا: الشرق الأوسط الطائفى: ووفقا لهذا السيناريو فإن الانقسامات والتفتت ستكون النتيجة الطبيعية لكل المؤشرات الحالية فى المنطقة. ففى هذا السيناريو ستستمر دول الشرق الأوسط فى التفتت بين محورين أحدهما سنى تقوده المملكة السعودية وتركيا بدعم من مصر ودول الخليج فى مواجهة معسكر شيعى تقوده إيران بمساعدة حلفائها التقليديين فى لبنان وسوريا والعراق واليمن بينما يدفع المسيحيون وغير المسلمين عامة إلى هامش المعادلة. فى هذا السيناريو من المرجح أن تشهد المنطقة حروبا نظامية وليست مجرد ضربات يتم شنها هنا أو هناك. فى هذا السيناريو لن يتمكن الأمريكان من إبرام اتفاق نهائى مع إيران، ربما بعض الهدنة هنا أو هناك لكن من المتوقع أن يضغط المحافظون فى الداخل الأمريكى بما فيها المتشددون من المعسكر الديموقراطى الذى يحاول مغازلة الداخل قبل الانتخابات الرئاسية فى 2016 فضلا عن إسرائيل وكذلك ضغوط السعودية وحلفائها الذين سيسعون بكل قوة لعدم اتمام هذا الاتفاق.
يظل هذا السيناريو هو الأكثر حظا فى ظل تعقيدات المشهد فى الشرق الأوسط وفى ظل التنافس الرباعى الأمريكى الروسى الصينى الأوروبى على جذب الحلفاء فى المنطقة. هذا السيناريو سيفيد أربعة أطراف رئيسية، الأول هى القوى الإقليمية المحافظة التقليدية فى الخليج العربى، والثانى هم الفاعلون الإقليميون من غير الدول وخاصة الحركات الإرهابية والمتشددة، والثالث هم جنرالات الجيوش والأمن الداخلى، أما المستفيد الرابع من هذه التناقضات فهى قطعا إسرائيل.
•••
هل يمكن إذا إيقاف هذا السيناريو أو تقليل تبعاته؟ فى الواقع كل الاحتمالات ممكنة ولكن هذا يتطلب حدوث تغيرات جوهرية وغير تقليدية فى المشهد. كأن تبادر نظم المنطقة إلى اتخاذ خطوات حقيقة إصلاحية تدفع تدريجيا بالديموقراطية النيابية على الأقل متبوعة بإصلاحات دستورية ومؤسسية، أو أن تتمكن القوى الداعمة للديموقراطية إحداث تغيرات غير متوقعة ومفاجئة تجبر جميع أطراف المعادلة على التغيير، أو أن تقوم انتفاضة ثالثة فى الأراضى الفلسطينية تغير المعادلة الطائفية وتعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة مرة أخرى لتغير تحالفات المنطقة، أو أن تحدث انهيارات مفاجئة فى الخليج العربى تحد من تأثيرات النفط السياسية، أو أن تقوم ثورة إيرانية علمانية إصلاحية فى المنطقة... كلها احتمالات مفتوحة ولكنها تحتاج إلى قوى غير تقليدية تفكر خارج صندوق السياسة والتاريخ، فهل نجد هذه القوى لتنقذنا من المصير المحتوم؟