إجراء الذبابة أمام محكمة لاهاى
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
السبت 15 مارس 2025 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
لاحظت أن الشرطة العسكرية الإسرائيلية فتحت 6 تحقيقات بشأن استعمال الفلسطينيين دروعا بشرية، وتقريبا، شعرت بالاختناق. لقد رأيت سابقا عمليات تغطية على الذات، لكن ليس إلى هذا الحد. ففى غزة، تُستعمل الدروع البشرية 6 مرات فى اليوم الواحد على الأقل. وإذا أرادت الشرطة العسكرية فتح تحقيقات، فيجب عليها إجراء 2190 تحقيقا على الأقل.
مكثتُ فى غزة 9 أشهر، وشهدت هناك عددا لا بأس به من الإجراءات الجديدة. كان الأسوأ ما يسمى «إجراء الذبابة»: عندما يرغمون فلسطينيين أبرياء على الدخول إلى المنازل و«تنظيفها» - بما معناه التأكد من أنه لا يوجد «مخربون»، أو عبوات. أطلقنا على هذا الإجراء كثيرا من الأسماء، مثل «إجراء الذبابة» و«الشاويش» و«النماذج».
كُشف هذا الإجراء للمرة الأولى فى ديسمبر 2023، بعد شهرين على بدء المناورة البرية، وقبل وقت طويل من النقص فى الكلاب، والذى تحوّل إلى مجرد تبرير غير رسمى لتفعيل الإجراء المجنون وغير الرسمى. اليوم، يوجد لدى كل قسم «شاويش»، والقوات البرية لا تدخل إلى أى منزل قبل أن يدخل «الشاويش» لتنظيفه. معنى ذلك أنه يوجد 4 أشخاص يؤدون مهمة «الشاويش» فى الكتيبة، و12 فى كلّ مجموعة، و36 فى كلّ فرقة، على الأقل. لدينا طبقة من العبيد، والشرطة العسكرية تحاول إغلاق الموضوع بـ6 تحقيقات.
منذ شهر أغسطس الماضى، حين خرج الموضوع إلى الإعلام، وبشهادات لمؤسسة «لنكسر الصمت»، قال أحد المسئولين الكبار إن رئيس هيئة الأركان العامة السابق، وأيضا قائد المنطقة العسكرية الجنوبية كانا على علِم بهذا الإجراء. وأنا لا أعرف ما هو الأسوأ، إذا كانوا لا يعرفون ما يجرى فى الجيش، أم إذا كانوا يعرفون ويصمتون.
بعد مرور نصف عام على نشر الخبر فى الإعلام، يستمر الجنود فى القبض على الفلسطينيين وجعلهم يدخلون إلى الأنفاق والمنازل قبلهم. انتظرت أى تصريح من رئيس هيئة الأركان العامة، أو قائد المنطقة الجنوبية، ولم يحدث ذلك.
المستويات القيادية فى الميدان تعلم بموضوع الدروع البشرية منذ أكثر من عام، ولم يحاول أحد إيقاف ذلك. بل بالعكس، يتم تعريف الأمر بأنه ضرورة عملياتية. ومن المهم الإشارة إلى أنه يمكننا الدخول إلى المنازل من دون دروع بشرية، هذا ما قمنا به شهورا، بحسب إجراء دخول منظّم لروبوتات ومسيّرات، أو كلاب. هذا الإجراء أثبت نفسه، لكنه تطلّب وقتا، والقيادة أرادت تحقيق إنجازات سريعة وفورية. بما معناه - إن السبب الذى دفعنا إلى استعمال الفلسطينيين دروعا بشرية لم يكن الأمان، إنما لأنه أسرع.
لم يمرّ هذا الوضع من دون معارضة، لقد اعترضتُ مع جنود آخرين وضباط، لكن هذا ما يحدث عندما لا تهتم القيادة السياسية والمستوى القيادى العسكرى الرفيع، وأكثر من عدم الاهتمام، هذا ما يحدث عندما تكون اليد خفيفة على الزناد والاستنزاف العملياتى مرتفعا؛ هذا ما يحدث عندما تكون، شهرا بعد شهر، فى حرب لا تنتهى، ولا تنجح فى إعادة الأسرى. فتغدو جميع الحسابات الأخلاقية ضبابية.
روى لى ضابط صديق ما حدث عندهم: لقد وجدوا «مخربا» فى أحد المنازل التى نظّفها «الشاويش». كان «الشاويش» رجلاً كبيرا فى السن، وبريئا، وعندما عرف أنه فشل فى مهمته، قضى حاجته على نفسه. لا أعرف ما كان مصيره، خفت أن أسأل حتى. هؤلاء الأشخاص ليسوا مقاتلين مهنيين، إنهم لا يعرفون كيف ينظّفون منزلا، وفى جميع الأحوال، الجنود لا يعتمدون عليهم لأنهم ليسوا أحرارا. وفى بعض الأحيان، يرسلون «الشاويش» إلى منزل يريدون إحراقه، أو تفجيره. ولا علاقة لهذا بالأمن.
تحقيقات الشرطة العسكرية مستفزة جدا. فى البداية، طالبوا الجنود باستعمال الفلسطينيين دروعا بشرية، والآن، يستعمل الضباط الجنود دروعا بشرية. وهذا كله يحدث فى الوقت الذى نحاول إعادة الأسرى الذين خُطفوا، لكى يكونوا دروعا بشرية «لمخرّبى حماس».
من الواضح أن المسألة مسألة وقت حتى تنفجر هذه القضية مرة أخرى، لكنها أكبر من الشرطة العسكرية. وتشكيل لجنة تحقيق رسمية سيسمح بالدخول إلى هذه المنطقة والبحث فيها. حتى ذلك الوقت، لدينا كل الأسباب للقلق من لاهاى، لأن هذا الإجراء جريمة - جريمة يعترف بها الجيش الآن - وهو إجراء يومى، ومنتشر أكثر كثيرا مما يقولون للجمهور.
الضابط ج
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية