التراشق بالواتس آب
خولة مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 14 مايو 2014 - 4:38 م
بتوقيت القاهرة
قبل المساء بقليل تتراشق الرسائل عبر الهاتف.. ما أتعسك وانت تحمل أكثر من هاتف.. ما اشقاك وانت تراقب الواتس آب والفايبر وبينهما التويتر والفيسبوك.. هنا تتدافع الأخبار وانت تدرك ذلك أو ربما أردت ان تكون على تواصل فكان ان اصبحت عبدا لذلك.. تصورت انك بذلك ستعرف أكثر ليس أخبار الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية والإنسانية منها ولكن حتى «سوالف» واحاديث الأصدقاء الذين تسرقك منهم ساعات اليوم وضجيج اللحظة.
•••
كنت تقول انه اختراع هائل ذاك الذى أصبح يجمعنى بمن أحب فى أى لحظة وأى مكان.. تنتقل من حيث انت إلى عوالم أخرى إلى ذاك البدر المتربع فى القلب يرسل لك ضحكاته اليومية انه الحفيد الأول والأجمل.. اذن فهذا الواتس اب جميل حقا لا ينقل الصورة فقط بل والضحكة وحفيف الأسنان الأولى ونظرة الشوق والمحبة البريئة وكثير من الحب الذى سقته أمه له لتسعة اشهر وهو راقد مسترخٍ فى بطنها الصغير.. كل هذا الحب يأتى أيضا عبر هذا أو ذاك من أشكال التواصل.. كل هذا الجمال تبحث عنه قبل ان تقفز من سريرك فى الصباح وتعد قهوتك ومعها بعض من اغانى فيروز.. هو أيضا يهوى الاستماع لصوتها فى الصباح كما عودته أمه طيلة الاشهر التسعة.
ولكنك فى هذا اليوم وقبل المساء بلحظة ادركت كم ان هذا التواصل الجميل بإمكانه أن يحولك إلى عبد للحظة.. يسرق نصف الضحكة التى سرقتها انت من بين زحام الأخبار.. يوقظك من نشوة الصباح مع ذاك البدر.. يكدر عليك اللحظة ما قبل الأخيرة من اليوم، أى قبل أن يتسلل الليل إلى يومك فينهيه ليس دوما بهدوء كما الصباح.. هنا تدرك أن التواصل أكثر قد لا يحمل كل ما هو جميل.. بعض بكائهم هناك وكثير من دمعهم هو الآخر ينسكب عبر الرسائل القصيرة أو الصوتية.. ليسوا بحاجة للتفكير كثيرا انقر على احرف جهاز الهاتف بأى لغة تشتهى وتضغط الزر وفى لحظة تصبح تلك المشاعر الخاصة مشاعا للجميع وتدور الفكرة التى ولدت للتو فتتحول إلى مادة دسمة إما للرشق والتراشق أو ربما للشتائم وأقلها للسخرية.
•••
من قال ان كلنا دخل الحداثة برجله بمجرد اقتنائه لجهاز هاتف ذكى أو آى باد أو كمبيوتر صغير.. بعضنا خلع عقله ودخل فصار الجهاز الحديث وسيلة سريعة لنقل الافكار المتجمدة أو الحاقدة أو الكارهة أو المتخلفة.. سلمنا حريتنا وفضاءنا الخاص إلى التكنولوجيا الحديثة بملء إرادتنا وتسابقنا لنصبح ضمن الركب، ثم فجأة يكتشف بعضنا أننا وحتى فى استخدام أدوات الحداثة عدنا إلى الخيمة الأولى ننبش تحتها كل ما تصورنا اننا تركناه خلفنا.. هى خيمتنا التى لا تترجل من أعماقنا.. نجول الكون وهى حتما ودوما معنا.. ورغم ادراكنا لذلك لا نتوقف أن نردد انها وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة ومن لم يكن لديه حساب تويتر أو فيس بوك فهو عمليا غير موجود على الخارطة البشرية! هى الأدوات السحرية التى حررت الشباب من عبودية فضاءاتهم المحدودة! وجردتهم من قيود العادات والتقاليد وفتحت لهم أبوابا للتواصل فيما أوصدت البيوت والنوافذ باسم كل ذلك أو حتى الدين! شىء ما حدث فى المسافة التى لا تزال تفصلنا بين كل هذا الشكل من التواصل الحداثى وبين الانغلاق التام.. سقط الكثير فى تلك المسيرة وأصبحنا حتما لسنا أحرارا أكثر بل ربما أكثر عبودية.