ما بعد السينما
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 15 أبريل 2018 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
إلى جانب المباحثات السياسية والاتفاقيات الاقتصادية والعلمية والاستثمارية فى جولة سمو ولى العهد الخارجية، كان للجوانب الثقافية والفنية مساحة واسعة من برنامج الزيارة أثمرت عن مشاريع فنية ضخمة ستضع بصماتها لانطلاقة غير عادية لهذين الجناحين بمفهومها الأوسع، ليحلّقا بالتفاعل الحضارى داخليا وخارجيا، فالثقافة والفنون بفضائهما الواسع رافدان حيويان فى التعبير عن الهوية والثقافة الإنسانية بشكل عام، باعتبارها قاسما مشتركا بين البشر دون إلغاء السمات الوطنية والهوية الخاصة بالأمم والشعوب، وفى هذا تأتى السينما والمسرح وساحة الفنون بشكل عام فى صدارة التعبير عن الإبداع ومرآة لسمات المجتمع.
لنتذكر جيدا، كم من روايات وأعمال مسرحية شهيرة لأدباء من الشرق والغرب لا تزال أيقونات أدبية وفنية فى تاريخ المسرح العالمى، وتم عرضها فى العديد من الدول بلغات عدة، وكم من الأعمال السينمائية حتى المغرقة فى المحلية نالت جوائز عالمية؛ لأنها عبرت بصدق وإبداع أولا عن واقع مجتمعها، وهذا يؤكد أهمية هذه الفنون فى التعبير عن آمال وآلام الإنسانية، مهما تباين البشر فى ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، كما أن مشهدا أو عدة مشاهد فى مسرحية أو فيلم تؤثر فى ملايين المشاهدين وتغنى عن آلاف الكلمات والعبارات.
فالمسرح وهو أبوالفنون له رسالة تثقيفية، بل يسهم فى التأريخ للشعوب ويوثق لمراحل تطورها الثقافى، ومن الأعمال السينمائية ما يشاهدها عشرات الملايين داخل بلادها وخارجها، وحتى فى بلادنا من خلال الفيديو زمان والفضائيات والإنترنت اليوم، ومعظم هذه الملايين تعرفوا على تلك الدول المنتجة من خلال أعمالها بما لها وما عليها، والسينما فى ذلك أكثر انتشارا وسرعة فى التأثير إيجابا وسلبا، لكن المقياس هنا أن تكون صناعتها هادفة وإيجابية وتخدم فكرة الوعى إلى جانب الترفيه. فقطاع السينما بهذا الحجم المنتظر لا بد أن يعبر عن الواقع والتطلعات والنقد البناء الذى يصلح ولا يفسد فى المجتمع ولا يقدم نماذج سلبية إلا لأجل كشفها ونقدها لنبذها ومكافحتها مجتمعيا، وبالتالى بث الوعى بمخاطر كثيرة كالفكر الضال والمخدرات والفساد والانحراف والجريمة.
على الصعيد الاقتصادى يمثل هذا القطاع مستقبلا واعدا للاستثمار المتطور وستصب عوائده داخل بلادنا، وبالتالى توظيف أعداد كبيرة، وتمنح خبرات جديدة فى جميع مجالاتها ذات الصلة بهذا العالم الواسع. وأكاديميا نعرف أن للسينما والمسرح والفنون إجمالا معاهد وأكاديميات متخصصة وعريقة فى كثير من الدول؛ لذا نتفاءل باستثمارات أكاديمية والاستفادة من الخبرات العالمية فى تأهيل أجيال من المبدعين السعوديين فى تخصصات هذه الفنون، وتوفر الفضاء الواسع لأعمالهم للمشاركة فى مهرجانات دولية عريقة فى فرنسا وغيرها من أبواب واسعة وقدرات طموح.
أؤكد مجددا على أن القوة الناعمة رافد مهم لمفهوم القوة الشاملة لأى مجتمع، وهى الأقرب فى التأثير والتثقيف وتعكس قضايا ومشكلات المجتمع وتسهم فى علاجها بالنقد الهادف، فالفن والثقافة كما ذكرت، هما صوت ومرآة لمجتمعهما بل لقضايا البشرية، ووجود هذا العدد الكبير من دور السينما خلال سنوات قليلة مقبلة، ستثمر خبرات محلية متراكمة ومتفاعلة تقدم أعمالا تعكس سماتنا وهويتنا والقواسم الإنسانية المشتركة. فإذا كان الجانب الترفيهى والاقتصادى أمرا أساسيا فى مرحلة ما بعد دخول السينما، إلا أن الأهم أيضا هو الأثر طويل المدى من خلال هذه القوة الناعمة فى تشكيل الوعى والإصلاح الهادف، فلطالما كان الثمن باهظا لغياب هذه الفنون.
إبراهيم إسماعيل كتبى
عكاظ ــ السعودية