الزوجة السابعة
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 15 أبريل 2022 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
أحب دومًا التعبير يخص وليم شكسبير أنه المواطن العالمى الأول فى ثقافتنا المصرية، فبالإضافة إلى أن أعماله خاصة الكوميدية تلقى قبولا شديدا لدى صناع الدراما والسينما لتقديمها بين أوقات متقاربة، فإن المؤلفين فى السينما المصرية قد (استهلكوووووه) بما يكفى، وقد كتبت هذه الكلمة بشكلها الساخر لأن كتابنا قد نزعوا قلب الثمرة الشكسبيرية وراحوا يضيفون إليه زوائد كثيرة تخصهم، وقد يكون هذا من حقهم لكن الذى يجب أن أؤكد عليه أنهم لم يروا فى شكسبير المتنوع إلا وجها واحدا فقط خاصة فى الكوميديا هو وجه إليزابيث فى ترويض النمرة، فرغم أن للكاتب أعمالا كوميدية أخرى فإنها لم تظهر على شاشتنا، ومنها الليلة الثانية عشرة، واحدة بواحدة، فقد تم استخراج هذا الجوف الشكسبيرى فى السينما المصرية طوال فترة الخمسينيات بأكثر من مرة وفى أكثر المعالجات على يدى مؤلف واحد أو اثنين، الأولى كانت عام 1950 باسم الزوجة السابعة وهى نفس المعالجة التى تكررت مرة أخرى بعد عشر سنوات باسم الزوجة رقم 13 الفيلم الاول لإبراهيم عمارة، والثانى لفطين عبدالوهاب، كما عاد نفس المؤلف لتقديم القصة نفسها فى فيلم بنات حوا الذى كتبنا عنه قبل اسبوعين، ومن هذه الافلام ايضا «آه من حوا» 1962 لفطين عبدالوهاب، و«المتمردة» لمحمود ذو الفقار، وأكاد أجزم أن ذاكرتى تخوننى فى أسماء أخرى يجب أن نذكرها ولكنها الذاكرة.
فى فيلم الزوجة السابعة يتحدث إسماعيل يس عما أسماه بنات حواء اللائى هن سبب المكابدة فى العالم، وهو نفس التعبير الذى عنون به الكاتب فيلمه التالى حول نفس الموضوع: بنات حوا.
قبل الحديث عن الفيلم، ومع إيمانى الشديد بوطنيتى التى تدفعنى للإعجاب بأى فيلم ناطق بلهجتنا المحلية وملىء بالنجوم والنجمات من بلادنا فإن فيلم ترويض النمرة الذى أخرجه زيفيرللى عام 1966 وبطولة إليزابيث تيلور وريتشارد بيرتون يمكنه أن يمحو مئات من الأفلام المصرية المشابهة بما يقرب من الكسح، وهو عمل التزم تماما بالنص الشكسبيرى سواء الموضوع أو اللغة مع التعبير عن حالة كبيرة من البهجة جعلتنا أمام عمل كلاسيكى خالد بمعنى الكلمة.
الفكرة تدور حول قصة ريفية أو بعيدا عن العاصمة حيث العادات تقضى على الأب ألا يزوج ابنته الصغرى قبل الكبرى، لكن هذا الأمر قد لا يكون مستحبا أو مفضلا فى المدينة، المدينة التى تدور فيها هذه الاحداث فى الأفلام المذكورة ما عدا فيلم «آه من حوا»، ويبدو أن الأمر قد أصبح صعبا باعتبار أن إليزابيث فتاة شرسة طويلة اللسان، فلا يقترب منها أى عريس ما يدفع بالأب أن يمنح (بيتريشيو) مبلغا من المال يساعده فى ترويض تلك الابنة الكبرى حتى تمتثل له وتصبح طيعة تماما اسم الفيلم، كما نرى أنه مأخوذ عن الترجمة االعبقرية للشاعر اللبنانى خليل مطران الذى قام بتعريب كل عناوين شكسبير ومنها عطيل بدلا من (أوتيللو)، وهذه مجرد ملحوظة، أما الزوجة السابعة فهى الفتاة طويلة اللسان ولكنها ايضا مهذبة جدا تجسدها مارى كوينى تعلم أن زوجها سبق له أن تزوج بست نساء قام بتطليقهن لاسباب واهية، منها عدم الإنجاب أو أكل البصل فتقرر الامتناع عن معاشرته، وتبدأ فى صده وترويضه حتى يتحول إلى كائن طيع وتصبح آخر زوجاته وتنجب منه، أى أن الترويض هنا كان للرجل والمرأة معا، هى علمته ألا يكرر الدرس معها، والحب علمها أن تتمسك بزوجها لكن الفيلم يخلو تماما من المشهد الأخير عند شكسبير حين تقف الزوجة فى حفل زفاف أختها، وتعطى لبنات العائلة درسا حول كيفية طاعة الزوج التى هى من طاعة الرب.
طبعا هنا عندنا أختان، لكن الأخت اختفت فى فيلم الزوجة 13، لتكون هناك امرأة وحيدة بيما ازداد عدد الزوجات إلى الرقم 13، وهنا كان لدينا كاتب سيناريو إضافى وضع لمساته على النص فأصبحنا أمام عمل غنائى وتفاصيل مختلفة لكن النتيجة واحدة أنها كانت عملية ترويض فقط للرجل دون المرأة ويمكن اعتبار أن فيلم «آه من حوا» هو الأقرب إلى النص الشكسبيرى يدور فى الريف، والبنت فعلا شرسة طويلة اللسان مع تحويل شخصية الأب إلى جد بسبب المهابة التى يجب أن تكون للأب فى الدراما والمجتمع ولم يكن لـ (بيترتشو) المصرى، أى تجارب سابقة وقد حوله الفيلم من حطاب على باب الله إلى طبيب بيطرى تعامل مع فتاته كمروض للحيوانات التى يعالجها ونجح فى الامرين معا.
لم يلحظ الكثيرون أن فيلم (المتمردة) بطولة صباح قريب من فكرة ترويض النمرة؛ حيث إنه يدور حول صاحبة مصنع موروث عن الأب تحاول فرض عواطفها على مهندس التصميمات فى الشركة وتسعى بكل ما لديها أن تستحوذ عليه إلا أنه بعزوفه عنها ينجح فى ترويضها كى تنتهى كل هذه القصص إلى فراش الزوجية.
يا لها من وجبة دسمة لعشاق مشاهدة الافلام على المقارنة بين فيلم وآخر، مع أهمية رؤية الافلام العالمية التى اخذت عن النص وقراءة الأصل وهو موجود فى أكثر من ترجمة فى دور نشر عديدة: (ترويض النمرة).