نشر مركز Chatham House مقالا تناول فيه التحالف الثلاثى بين مصر والأردن والعراق، وكيف يعد هذا التحالف ــ نظرا للإمكانيات التى تمتلكها الدول الثلاث ــ واعدا... نعرض منه ما يلى. تأتى وتذهب التحالفات فى الشرق الأوسط، وتتشكل وتتحدد من خلال المنافسة الإقليمية والتدخلات الأجنبية. شهدت السنوات القليلة الماضية تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، والمصالحة بين دول مجلس التعاون الخليجى بعد خلاف دام أربع سنوات، وما تواجهه الشراكة السعودية الإماراتية القوية، المبنية على علاقات وثيقة بين ولى العهد محمد بن زايد وولى العهد محمد بن سلمان، من ضغوطات.
هناك تحالف إقليمى ناشئ بين الأردن ومصر والعراق، وعلى الرغم من أن البعض قد يقلل من أهمية هذا التحالف، وربما لم يعطه بعض خبراء الساسة والمحللين أى اعتبار، إلا أن هناك ثلاث سمات رئيسية تجعل هذا التحالف فعالًا ودائمًا ومبشرا بالخير للشركاء الإقليميين والدوليين.
أولا، الإرادة السياسية الحقيقة.. استثمر الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى والملك الأردنى عبدالله ورئيس الوزراء العراقى عادل عبدالمهدى وبعده مصطفى الكاظمى الوقت والجهد فى إنشاء التحالف. وفى منطقة تأتى وتذهب فيها المبادرات، يبدو أن مصالحهم المشتركة ستساعد فى دفع هذه الشراكة إلى الأمام. اجتمع وزراء الخارجية سامح شكرى وأيمن الصفدى وفؤاد حسين، إلى جانب أجهزة المخابرات فى الدول الثلاث، فى بغداد فى 29 مارس، وأكدوا استمرار نمو العلاقة على أساس الأمن ومكافحة الإرهاب وتحقيق أمن الطاقة والتكامل الصناعى والتجارة وإعادة الإعمار.
ثانيًا، يجمع التحالف بين ثلاث دول متجاورة تقريبًا تمتلك فيما بينها موارد طاقة كبيرة (العراق) ورأس مال بشرى (الأردن) وسوقا ضخمة وأيدى عاملة متنقلة وقدرات عسكرية كبيرة (مصر). وعلى الرغم من أنهم لا يمتلكون ثروة ضخمة مثل جيرانهم فى الخليج، إلا أن عدد سكان الدول الثلاث 150 مليون نسمة ويمتلكون قدرات صناعية وزراعية ضخمة. إذا استطاعوا الاستفادة من هذا التكامل، سيحقق هذا تحالفا قويا. على سبيل المثال، يمكن لرأس المال البشرى الأردنى والمصرى أن يدعم جهود إعادة إعمار العراق، ويمكن أن يعمل الأردن كنقطة عبور للغاز الطبيعى العراقى إلى العقبة وشبكة الغاز الطبيعى المسال فى مصر، ويمكن للمصافى المصرية معالجة نفط البصرة العراقى الخفيف أو درجات النفط الأخرى للاستهلاك المحلى والتصدير.
ثالثًا، بينما يتم تقديم التنمية الاقتصادية والأمن ومكافحة الإرهاب على أنها المحركات الرئيسية للتحالف، فلا شك أنه يوفر أيضًا للأردن ومصر نفوذًا سياسيًا جديدًا ــ على الصعيدين الإقليمى والدولى ــ ويوفر لرئيس الوزراء العراقى وحلفائه شركاء جددا غرب بغداد.
فقد الأردن بعض من أهميته فى علاقته مع دول الخليج العربى، خاصة منذ تطبيع الإمارات والبحرين العلاقات مع إسرائيل. كما تضاءلت أهميته كشريك استراتيجى لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مع مرور الوقت. لذلك، فإن العلاقات القوية مع مصر والعراق تعمل على موازنة تراجع الدعم الإماراتى وزيادة العداء الإسرائيلى من ناحية، ومن ناحية أخرى تساعد عمان على تحسين علاقاتها مع الرياض، التى تتطلع هى الأخرى إلى تنمية علاقاتها مع بغداد ولكنها تواجه عقبات فى ذلك. بعبارة أخرى، هذا التحالف قادر على تقريب الأردن والمملكة العربية السعودية من بعضهما البعض.
مصر حريصة على استعادة مكانتها كدولة عربية رائدة، والتحالف مع الأردن والعراق ــ من الناحية النظرية على الأقل ــ يسمح لها بوضع نفسها فى قلب تحالف عربى جديد. الأهم من ذلك بالنسبة لمصر، هذا التحالف لا يدخل فيه أموال النفط، بل قائم على الدبلوماسية. هذا التحالف لن ينتج عنه فقط تقليل اعتماد مصر الاقتصادى على دول الخليج العربية، بل يؤدى أيضًا إلى تحريك عملية إعادة العراق إلى أحضان الدول العربية، وهو الأمر الذى تتوق إليه المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، وغيرها.
التحالف الثلاثى له هدف سياسى واضح وهو مواجهة النفوذ الإيرانى فى العراق. ليس من خلال الوسائل العسكرية المباشرة أو غير المباشرة، أو دعم الوكلاء أو حتى تنفيذ عمليات سرية، ولكن من خلال تقوية الروابط الاقتصادية، وتشجيع تبادل العمالة، وزيادة التعاون الأمنى ومكافحة الإرهاب وربط الدول الثلاث معًا من خلال بنية تحتية للطاقة واسعة النطاق.
من السهل أن ندرك سبب ترحيب الحكومات الغربية والقادة العرب، فالتحالف يبدو جيدا لدرجة يصعب تصديقها، وهو بالفعل كذلك. فى حين أن القيادة العراقية قد ترغب فى تعميق العلاقات مع الأردن ومصر، إلا أن إيران من الصعب أن تغض الطرف وتترك عمان والقاهرة يسرقان منها بغداد.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنىالنص الأصلى