الردع الحديث.. الجيوش فى مواجهة الحروب النفسية وحملات التضليل
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأربعاء 15 يونيو 2022 - 10:35 م
بتوقيت القاهرة
نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة عزة هاشم بتاريخ 13 يونيو تناولت فيه كيف ساعدت التكنولوجيا الحديثة فى انتشار الحروب النفسية... نعرض من المقال ما يلى:
الحرب النفسية هى استخدام مخطط وتكتيكى وغير قتالى للدعاية والتهديدات والأساليب النفسية الأخرى بهدف التأثير على عقل وسلوك الخصم. ولعل الحديث عن الحرب النفسية ليس مقاربة جديدة، فتاريخها قديم قدم الحرب نفسها؛ إلا أن تطورها دوما يظل رهنا بما يشهده العالم من تطورات على مختلف الأصعدة، وخاصة وسائل الاتصال.
الحرب النفسية.. مقاربات حديثة واتجاهات مستقبلية
يتناول هذا الجزء من التحليل الحرب النفسية والمفاهيم ذات الصلة، ويُلقى الضوء على الحدود الفاصلة بين عدد من المفاهيم المتداخلة، ويحدد الاتجاهات الحديثة للحرب النفسية، وتتضمن هذه الاتجاهات ــ على سبيل المثال وليس الحصر ــ ما يلى:
١ ــ تأثير الإنترنت على اتجاهات وفاعلية وتكتيكات العمليات النفسية
تُعرَف العمليات النفسية Psychological Operations بأنها «عمليات مخططة لنقل المعلومات والمؤشرات المختارة إلى الجماهير الأجنبية بهدف التأثير على عواطفهم ودوافعهم ومنطقهم الموضوعى، وفى النهاية سلوك الحكومات الأجنبية والمنظمات والمجموعات والأفراد» (قيادة العمليات الخاصة للجيش الأمريكى، 2015). وتتضمن العمليات النفسية نشر المعلومات بين الجماهير الأجنبية لدعم سياسة محددة وأهداف وطنية، حيث يمكن استخدام العمليات النفسية لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية، وتقوم القوى الفاعلة فى الوقت الراهن باستغلال الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعى لإجراء عمليات نفسية هدفها التأثير على العواطف والدوافع والتفكير الموضوعى للجماهير، فالانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعى يجعلها مثالية للعديد من الأنشطة ذات الأهمية لمهام العمليات النفسية، حيث تُستخدم شبكات التواصل الاجتماعى الحديثة بنشاط من قبل الحكومات فى جميع أنحاء العالم، وتُعتبر الولايات المتحدة والصين وروسيا أكثر الدول نشاطا فى هذا المجال، حيث يمكن استخدام تقنيات الإنترنت المختلفة مثل مواقع الويب والواقع الافتراضى والمدونات وألعاب الفيديو وبرامج الدردشة ومنصات الشبكات الاجتماعية، بالطبع، لتعديل المشاعر حول موضوعات محددة. مهمة محترفى العمليات النفسية هى الاستفادة من هذه التقنيات الإلكترونية تماما كما يفعل خصومهم من أجل التأثير على الأفراد لدعم قضيتهم، وتغيير المواقف والسلوكيات. إن العمليات الدعائية للإرهابيين السيبرانيين هى أيضا أمثلة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعى لتجنيد الأفراد وكسب الدعم والتعاطف.
٢ ــ حملات التضليل على وسائل التواصل الاجتماعى
تمثل «حملات التضليل على وسائل التواصل الاجتماعى» واحدة من أبرز التحديات وأكثرها شيوعا فى سياق الحرب النفسية على الدول والمؤسسات. ولعل أبرز ما يترتب على الحداثة النسبية لوسائل التواصل الاجتماعى وحملات التضليل الأجنبية على وسائل التواصل الاجتماعى هو أن الجهود المبذولة لمكافحة هذه الحملات لا تزال وليدة، كما تُشير الاتجاهات التكنولوجية إلى أن الكشف عن المعلومات المضللة سيصبح أكثر صعوبة فى السنوات القادمة، حيث سيؤدى انتشار الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى إلى («التزييف العميق» Deep fakes مقاطع الفيديو والصوت المزيفة التى تبدو وكأنها أصلية) إلى فتح آفاق جديدة فى نشر المعلومات المضللة، مما يجعل هذه الحملات خيارا جذابا بشكل متزايد للخصوم المحتملين الذين يتطلعون إلى زرع الفوضى.
٣ ــ شخصنة الرسائل
منذ زمن ليس ببعيد كانت العمليات النفسية تقوم على صياغة رسالة واحدة توجه للحشود وتستهدفهم بشكل جمعى. أصبحت الآن الرسائل تستهدف أفرادا، وتحقق فى الوقت نفسه التأثير الجمعى المرجو، وهو ما جعلها أكثر فاعلية. فى الأجيال السابقة، كانت الدولة تنظم على الأقل وأحيانا تمتلك بشكل مباشر أجزاء كبيرة من المنافذ المطبوعة أو الإذاعية أو حتى التلفزيونية، وبالتالى يمكنها ممارسة السيطرة على فضاء المعلومات. الآن تغير الواقع فأصبحت السلطة فى يد شركات وسائل التواصل الاجتماعى، وهى كيانات خاصة، تعمل غالبا عبر حدود الدولة. من جهة أخرى، وعلى عكس وسائل الإعلام التقليدية الأخرى، يتم إنشاء محتوى منصات التواصل الاجتماعى من قبل المستخدمين وليس الشركات. ونتيجة لذلك، حتى إذا كانت هذه الشركات ترغب فى منع المعلومات المضللة، فيجب عليها أولا تحديدها، وهو تحدٍ صعب، فموقع مثل فيسبوك وحده، على سبيل المثال، كان لديه نحو 2.32 مليار مستخدم فى ديسمبر 2018. على سبيل المثال، استخدمت روسيا معلومات مضللة مرسلة عبر الرسائل النصية القصيرة لترهيب الجنود الأوكرانيين خلال ذروة الحرب فى شرق أوكرانيا. باستخدام البيانات الشخصية التى ربما تم تحصيلها من حسابات الجنود على وسائل التواصل الاجتماعى، تمكنت روسيا من إضفاء الطابع الشخصى لجهود التضليل عبر الاستهداف الإلكترونى، وقد أفاد الجنود بتلقى سلسلة من الرسائل النصية تقول أشياء مثل: «أنت على وشك الموت» أو «اذهب إلى المنزل»، فى بعض الحالات كانت الرسائل تبدو وكأنها جاءت من قريب الجندى، فقد أفاد أفراد عائلات الجنود الأوكرانيين أيضا بأنهم تلقوا رسائل شخصية، فى محاولة مماثلة على الأرجح لترهيبهم، وبالتالى ترهيب أحبائهم الذين يخدمون فى الجبهة.
٤ ــ الدفاع النفسى
تأسس مفهوم «الدفاع النفسى» فى السويد كرد فعل عملى على الاستعدادات للحرب النفسية التى تجرى فى بقية أنحاء العالم. اليوم، غالبا ما يُستخدم المصطلح لتغطية العديد من المفاهيم المتداخلة، مثل: الاستجابات لعمليات التضليل، وعمليات تعزيز المعنويات وتعزيز المرونة، وحرب المعلومات أو العمليات النفسية. ويتكون الدفاع النفسى من ثلاثة مكونات أساسية هى: التصدى للخداع والمعلومات المضللة، بما فى ذلك ترويج الشائعات والدعاية السوداء.
تجارب وخبرات دولية فى آليات الردع والاستباق النفسى
عند التطرق لأهم الخبرات والتجارب الدولية الناجحة فى مواجهة الحروب النفسية على المؤسسة العسكرية بشكل خاص، تأتى تجارب ثلاث دول برزت بوضوح فى هذا المجال، وهى: الصين، والولايات المتحدة، وروسيا. وبالنظر إلى تجربة الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أنها تبذل منذ سنوات جهودا حثيثة فى هذا الصدد. على سبيل المثال، فى الولايات المتحدة دفع التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية لعام 2016، قضية مكافحة التضليل الأجنبى إلى الواجهة، وأثارت تدقيقا عاما كبيرا واهتماما سياسيا، وهو ما ترتب عليه أن حددت كل من استراتيجية الأمن القومى الأمريكية لعام 2017 واستراتيجية الدفاع الوطنى لعام 2018.
وقد أعدت قيادة العمليات الخاصة بالقوات الجوية الأمريكية (AFSOC) سلسلة من الدراسات والتقارير التى تتناول كيف يمكن لمن وصفتهم بـ«خصوم الدولة»، وخاصة الصين وروسيا، استخدام المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعى لتعزيز مصالحهم، وما الذى تحتاجه القوة المشتركة» والقوات الجوية الأمريكية على وجه الخصوص» للاستعداد للرد. وثانيا، ما الذى تفعله القوة المشتركة والحكومة الأمريكية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص لمكافحة هذه التهديدات؟ وما مدى فاعلية هذه الجهود، وما الذى يجب القيام به أكثر من ذلك؟
وتُعد الخبرة الروسية أيضا مجالا لعددٍ من الدروس المستفادة فى هذا الإطار، حيث تخصص روسيا ميزانية ضخمة لحروب المعلومات والحروب النفسية، ولديها عدد من الوحدات والكيانات الهامة، كما تمكنت من تنفيذ وابتكار العديد من تكتيكات الهجوم والدفاع النفسى. فعلى سبيل المثال، عندما تم الكشف عن محاولة اغتيال سيرجى سكريبال، عميل استخبارات روسى سابق يعيش فى المملكة المتحدة، حاولت تشويه سمعة الأخبار من خلال التضليل الإعلامى.
آليات مواجهة الحروب النفسية وحملات التضليل
عند التطرق لمحاولة صياغة الآليات المقترحة لمواجهة الحروب النفسية، نجد أن هناك العديد من الأطر العامة للمواجهة والتى تمت صياغتها استنادا إلى التجارب الدولية ونتائج الدراسات التى أجريت فى هذا الصدد؛ إلا أن هذه الأطر لا تصلح كمقياس عام لجميع التجارب التى تتباين بصورة واضحة وفقا لخصوصية كل تجربة، وهو ما يدفع باتجاه ضرورة إجراء سلسلة من الدراسات المتعمقة للحالة المصرية فى هذا الصدد. وبالنظر للأطر النظرية نجد أن عدة طرق تمت صياغتها علميا لمحاولة إيقاف حملة معلومات مضللة. تتمثل إحدى الطرق فى ردع الجهات عن إنتاج معلومات مضللة، إما لأنهم يخشون عواقب الانخراط فى مثل هذا السلوك (الردع بالعقاب)، أو لأنهم لا يعتقدون أن حملة التضليل ستنجح (الردع بالإنكار).
طريقة أخرى هى التوقف أو الحد من انتشار المعلومات المضللة عن طريق إزالة المحتوى أو دفنه حتى لا يظهر فى نتائج البحث. يتمثل الخيار الثالث فى منع المحتوى من الظهور بشكل استباقى عن طريق تحصين الجمهور المستهدف بشكل استباقى ضد المعلومات غير الصحيحة، أو عن طريق كشف المعلومات المضللة على أنها حيلة.
هناك شرطان أساسيان على الأقل لأى إجراء مضاد ناجح. أولا، هناك الكشف والتوعية. كما هو الحال مع أى تهديد، تتطلب الاستجابة السياسية الناجحة فهما عميقا لكيفية عمل حملات التضليل، ومن هم الفاعلون الذين يقفون وراءها، وما يأملون فى تحقيقه. تتضمن هذه التدابير تحديد وتحليل الجهات الفاعلة والآليات طوال دورة حياة المعلومات المضللة. ثانيا، هناك بناء المؤسسات، كل الجهود التى تمت مناقشتها حتى الآن تتطلب منظمات وهياكل لديها السلطات والقدرات المطلوبة للقيام بأى من الإجراءات الموضحة. لذلك، يشتمل جزء من الاستجابة لمواجهة حملات التضليل الإعلامى على بناء مؤسسات جديدة، وتجنيد الأشخاص المناسبين، وصياغة السياسات الصحيحة، وتوفير الأدوات المناسبة لإنجاح هذه الجهود.
النص الاصلي : هنا