نتنياهو والتهديد الكبير
سمير عمر
آخر تحديث:
الأحد 15 يونيو 2025 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
فى أواخر شهر يناير عام 2020 اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بقادة جهاز «الشاباك»، ثم خرج من الاجتماع ليكتب فى حسابه الرسمى باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر- إكس حاليا»، ما نصه:
قلت فى مقر قيادة «الشاباك»:
غايتنا الكبرى هى التغلب على التهديد الإيرانى، وهو تهديد تقليدى ونووى وإرهابى، كما تغلبنا على التهديد الكبير «التى» تمثل بالقومية العربية.
نستطيع أن نحقق ذلك وأثبتنا ذلك.
يجب على إصرارنا على خوض النضال من أجل ضمان مستقبلنا ودحر أعدائنا أن يكون أكبر من إصرارهم.
وبغض النظر عن الأخطاء اللغوية الفادحة فى هذه التدوينة، التى تعكس كرها للعربية لغة وأمة ومشروعا، فإننا أمام حقيقة لم يخش «نتنياهو» إعلانها على الملأ، وهى أنه كما هو حال قادة إسرائيل التاريخيين قبل إعلان دولتهم وبعدها يعتبرون أن القومية العربية كانت هى التهديد الأكبر على دولتهم القائمة على القتل والإرهاب ، وأنهم تمكنوا من القضاء على هذا الخطر والتهديد الكبير بعد عقود من العمل المخابراتى القائم على أنشطة مثلث التخابر الإسرائيلى جهاز «الشاباك» أو جهاز الأمن العام والمخابرات الداخلية فى إسرائيل الذى تحدث نتنياهو أمام قادته.
وجهاز «الموساد» أو وكالة الاستخبارات الإسرائيلية المركزية ومجال عملها خارج حدود إسرائيل ، أو جهاز «أمان» أو بالعبرية «أغاف موديعين» وهو جهاز شعبة الاستخبارات فى قيادة الأركان العامة فى الجيش الإسرائيلى.
والذى تمت ترجمته فى جولات المواجهة العسكرية مع الدول العربية، أو فى عمليات الاغتيال الموجهة ضد قادة المقاومة الفلسطينية وقادة حركة القومية العربية، أو بعمليات التوغل الاستخباراتى داخل الدول العربية ومراكز التأثير وصناعة القرار فيها.
يقول نتنياهو بكل بجاحة إنهم تمكنوا من القضاء على التهديد الأكبر المتمثل فى خطر القومية العربية، وأنهم بحاجة إلى التصدى للخطر الحالى وهو الخطر الإيرانى «النووى الإرهابى».
ما قاله نتنياهو كان قبل توقيع إسرائيل اتفاقات السلام الإبراهيمى الذى حدث فى أغسطس من ذات العام، والتى أكدت ما اعتبره نتنياهو القضاء على تهديد القومية العربية، خاصة فى ظل التراجع الكبير فى حضور الفكر القومى فى صناعة القرار العربى وكان أيضا قبل السابع من أكتوبر 2023 وعملية طوفان الأقصى.
التى استغلها نتنياهو فى تنفيذ مخططاته الإجرامية سواء بحق المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها، والسلطة الفلسطينية بل وبحق الشعب الفلسطينى بأكمله.
والآن وبعد نحو عامين من الحرب الإجرامية التى مارستها إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى، تنفذ إسرائيل ما قاله نتنياهو قبل خمس سنوات بالقضاء على التهديد الإيرانى «النووى - الإرهابى».
كما سماه ، بالطبع أنا لست من المؤيدين لنظام الحكم فى إيران، لكننى أدرك جيدا أن هدف الحرب الإسرائيلية على إيران هو القضاء على أى مصدر للتهديد على إسرائيل ومشروعها الاستيطانى العدوانى ، تماما كما حدث مع ما سماه نتنياهو «تهديد القومية العربية»، أو خطر اتفاق العرب على أن إسرائيل كانت وستبقى عدوا لابد من مواجهته فى يوم ما، بغض النظر عن إيمانهم بفكرة القومية العربية من عدمه كما أصفه أنا.
أقول: صحيح أن الأمة العربية تعيش فترة من أسوأ مراحلها التاريخية، وصحيح أيضا أن إسرائيل نجحت فى كسب عدة جولات فى حربها المستمرة ضد العرب،وصحيح كذلك أن إسرائيل نجحت فى عقد اتفاقات تطبيع مع عدد من الدول العربية وتسعى لتوسيع دائرة التطبيع خلال السنوات المقبلة، لكن هل صحيح أن العرب تغيرت نظرتهم إلى إسرائيل ككيان مغتصب قام بأكبر عملية سطو مسلح فى التاريخ؟ وهل صحيح أن العرب رغم كل ما يكابدونه الآن من كوارث وأزمات وحروب داخلية طاحنة، ومعارك لا يبدو أنها ستنتهى قريبا مع قوى وتنظيمات إرهابية لا تمت إلى الدين ولا إلى الإنسانية بأى صلة، هل صحيح أنهم من الممكن أن يتعاملوا مع إسرائيل، ويعتبروا وجودها أمرا طبيعيا؟
أعتقد أن الإجابة ستكون بالنفى، واعتقادى هذا ليس قائما على العاطفة وحسب، كما يحلو للبعض تصوير الأمر، لكنه قائم على ظواهر ومواقف حقيقية يمكن لأى شخص رصدها إذا اختار عينة عشوائية من أى بلد عربى من المحيط إلى الخليج ليسألهم عن إسرائيل وكيف ينظر إليها؟ إذا طلبت منهم الإجابة بصدق عن هذا السؤال سيقولون هى عدو ومغتصب لأرض عربية.
ويمكن للمتابع لردات الفعل الشعبية فى مصر وغيرها من الدول العربية، للهجوم الإسرائيلى على إيران والهجوم المضاد الذى شنته إيران على إسرائيل، أن يكتشف إلى أى مدى يقف المدافعون عن إسرائيل عراة حتى من ورقة التوت، ويحظون باحتقار وطنى وقومى وإنسانى عام.
ففى كل مرة تقدم فيها إسرائيل على ارتكاب جريمة من جرائمها ضد الشعب الفلسطينى وفى كل مرة تقدم فيها الإدارة الأمريكية على اتخاذ مواقف وقرارات تخالف بها الحدود الدنيا لما توافقت عليه القوانين الدولية والقرارات الأممية بشأن حقوق الشعب الفلسطينى تتجدّد روح معاداة إسرائيل فى نفوس العرب، وإن اختلفت مواقفهم وتباينت رؤاهم. ربما تكون راية القومية العربية قد انكسرت فى عدة ساحات، وربما يكون مشروع الوحدة العربية قد استهدف عدة مرات، لكن المؤكد أن العرب لن تقوم لهم قائمة ولن يكون لهم مكان فى هذا العالم المضطرب الذى يموج بالصراعات ويشهد لحظة إعادة ترتيب وتموضع لمراكز القوى والتأثير إلا عبر وحدتهم، وتنسيق مواقفهم، واستثمار طاقاتهم وثرواتهم.
ربما لن يكون هذا بإعادة إنتاج تجارب تاريخية، لكن بالتأكيد هذه التجارب بانتصاراتها وانكساراتها رصيد مهم لا يمكن للأمة العربية التطلع لمستقبلها دون النظر إليه والبناء عليه.