ليلة لا تشبه غيرها
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 15 يونيو 2025 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
لم يبد المساء منذرا بليلة مختلفة لا فى الأنباء القادمة ولا فى الأجواء عامة. كان يمضى مسترخيا فى صخب اللحظة أو هكذا يبدو. تعود بعضنا أن يعمل جاهدا على أن يسرق بضع ثوان هنا وهناك بين حدث وآخر، «نكد» وآخر، مصيبة وأخرى، أو حتى بين موت وموت وهو الأكثر حضورا فى أيامنا وليالينا الأخيرة رغم أنهم علمونا فى أول شبابنا أنه، أى الموت، هو الأكثر حقيقة وحضورا من كل تراكمات الأحداث الأخرى فى حياة الفرد والعائلة والمجتمع، بل والبشرية. لهم نقول لم نعتد الموت ولم نتقبل أنه الأكثر حقيقة حتى شخنا لا أعرف متى سنفهمه؟!!! خاصة وإن أصبح الأكثر حضورا من الحياة، بل من الولادة حتى وأن كثرت الولادات كما يقول المسئولون فى أوطاننا ويتهمونا أو يلقون باللوم على كثرة الولادات فى كل ما يحصل من مصائب لأوطاننا.
• • •
ولكنه المساء وبعض السكون تسلل له وكأنه يعرف أن الليل لن يشبه غيره من ليل. غفونا لساعات بسيطة لنصحى على العاصمة الإيرانية طهران وهى تقصف وبين عدم تصديق المحطات المتلفزة ووسائل التواصل الاجتماعى وبين الإدراك أن هذا الفعل ليس غريبا على من ارتكبه، بل هو أسلوبهم منذ احتلالهم لأرض ليست لهم وتحويلها مستعمرات ومدن مقسمه منزوعة الأسماء وحصارات وتجويع وقتل واعتقال لأهلها، لأهل الأرض نفسهم الذين رفضوا ترك وطنهم لأن الأوطان ليست فنادق كما أنها ليست حقائب كما قال محمود درويش ابنها ابن فلسطين.
• • •
تلك الليلة ربما كشفت كثير من المخفى أو المستور وكثير من نتائج التسطيح والمخطط الذى حول قسم المقسم وفتت المفتت ليس بين الدول والحكومات والأنظمة، بل بين فئات من شعوب المنطقة. ففيما رأى الكثيرون أنها بداية لحرب قد تحرق الأخضر واليابس وقد لا ينجو منها أحد، حتى لو لم يكن حليفًا لإيران أو معجب بنظامها الحاكم، فرح آخرون ورقصوا ورفعوا الأنخاب ورأوا ربما ببعض السذاجة أو قلة المعرفة أو كثير من الجهل أن ما يسمونه اغتتال الأعداء هو فى مصلحتهم وكأنهم لم يقرأوا التاريخ الحديث وليس القديم وكأنهم لم يشاهدوا الإبادة الصهيونية تطارد الأرواح البريئة من غزة مرورا بكل فلسطين ولبنان واليمن وسوريا وأى بقعة فى الأرض ترفض هذا الاحتلال الفاشى.
• • •
كانت ليلة مختلفة برسائل حملها الهاتف لمن لم يستغرق فى نومه كعادته متصورا أن غزة بعيدة جدا والضاحية الجنوبية وصنعاء فى أبعد نقطة عنهم أو حتى لمن صار يردد ماذا نفعل هذه سياسات الدول وربما خفض صوته أو صوتها وهو يردد «الحمد لله أننا بعيدون» وقد يكون أضاف تلك العبارة السمجة التى أتقن تكرارها بعض العرب حتى أن كثيرين لا يستوعبون معناها وهى «الله لا يغير علينا». وذلك فى بعض الشماتة بما حدث لأخوتهم وأخواتهم فى دول عربية عدة تعيش الموت والذل أكثر من رغيف الخبز لا لشىء إلا لأنها فكرت يوما ما أن لها الحق فى أن تختار من يحكمها وكيف تحكم بلادها.. فقط لتلك الأمنية التى تحولت إلى ضرب من المستحيل وكأن على شعوب هذه المنطقة عرب وعجم وأكراد وترك وأمازيغ وغيرهم من الأعراق أن يعيشوا تحت حذاء المستعمر المستبد وكأن قدرهم أن يرسم هو خطوط فوق الرمال ليقسمهم إلى دويلات حسب مصالحه منذ ما قبل 16 مايو 1916 عندما اجتمع مارك سايكس وفرانسوا بيكو لرسم حدودهم بعد سقوط الدولة العثمانية. ومنها وهذا الشرق الأوسط لم ينم ولم يهدأ ولم يكتب لشعوبه أن تعيش أياما تشبهها أو ترسمها.
• • •
ها هم يعودون من جديد يطمرون خطوطهم فوق الرمل ويوقظون الأعراق والطوائف ويشعلون الأرض ليرسموا خطوطا جديدة هذه المرة لن تحمل أسماء وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا، بل ربما ستضاف لها كثير من الأسماء وبعضها شبيهة بأسماء نعرفها أو تصورنا أننا قريبين منها.
تلك الليلة لا تشبه أى ليلة أخرى منذ زمن طويل، أو هكذا بدا لبعضنا الذى وضع قلبه فى كفه ومضى ينبش عن شعلة أمل لليالى طويلة مظلمة قادمة.