المدهش وغير المدهش في حرب إسرائيل على إيران
مصطفى كامل السيد
آخر تحديث:
الأحد 15 يونيو 2025 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
تثير الحرب التى بدأتها إسرائيل على إيران صبيحة الجمعة الماضية أسئلة كثيرة، ولكن العجيب أن الإجابات عن بعض هذه الأسئلة لا تبعث على الدهشة فهى متوقعة، ولكن القليل منها هو الذى يبعث على الدهشة البالغة مع أنه يكاد يكون متوقعا، ومع ذلك يستمر المراقبون والمهتمون بالشأن العام فى إثارة هذه الأسئلة، ولذلك فمن المفيد توضيح أيها لا ينبغى أن يكون موضعا للتعجب.
ولنبدأ بطرفى النزاع المباشرين، أى إسرائيل وإيران.. ليس هناك ما يستوجب الدهشة لا فى الهجوم الإسرائيلى سواء فى احتماله أو فى توقيته، وكذلك فيما بدا من انكشاف أولى لإيران فى اليوم الأول لهذه المواجهة. فيما يتعلق بإسرائيل بنيامين نتنياهو رئيس وزرائها لم يتوقف عن المطالبة بضرب إيران للحيلولة دون تطور برنامجها النووى إلى ما يقرب من العتبة، أى القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى حد ٩٠٪، وهو ما يكفى لصنع قنبلة نووية، وفضلا عن الاعتبارات الاستراتيجية فى هذا الموقف أى الإصرار على أن تكون إسرائيل هى القوة العسكرية الأولى فى الشرق الأوسط باحتكارها السلاح النووى، فإعلان الحرب على إيران يفيد شخصيا فى إطالة أمد حكومته، وخضوعه للمحاكمة. أما عن التوقيت فلم يكن هناك أنسب من اليوم الذى بدأ فيه الهجوم الإسرائيلى، فهو يتوافق مع نهاية مهلة الستين يوما التى كان الرئيس الأمريكى قد حددها للوصول إلى تسوية سلمية للخلاف حول البرنامج النووى مع إيران، وجاء لاحقا لقرار مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بانتهاك إيران لتعهدها أمام الوكالة بالالتزام بحد معين لتخصيب اليورانيوم وكذلك قيامها بأنشطة نووية فى مواقع لم تكن معروفة للوكالة، كما كان الهجوم بعد أيام من محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكى يوم الإثنين الماضى أبلغه فيه نتنياهو بالعزم على توجيه ضربة لإيران لم يعترض عليها ترامب ووافق عليها مجلس الوزراء الإسرائـيلى مساء نفس اليوم، وفى أعقاب ذلك بدأ خفض تواجد الدبلوماسيين أمريكيين وعائلاتهم فى عدد من دول الشرق الأوسط وخصوصا العراق وبعض دول الخليج. ليس فى كل ذلك ما يدعو للدهشة فهو معروف لكل قراء الصحف الجادة وقنوات الإعلام الإسرائيلية.
• • •
وأما فيما يتعلق بإيران فإن انكشافها البالغ أمام الموجة الأولى من الهجوم الإسرائيلى صبيحة الجمعة لا يجب أن يدعو للدهشة. فقد دمرت الغارة الإسرائيلية فى إبريل وأكتوبر العام الماضى جهاز الدفاع الجوى الإيرانى الأحدث S300 المستورد من الاتحاد الروسى، ومن المعروف أن الحكومة الإيرانية واجهت صعوبات مالية وسياسية فى تحديث طيرانها الحربى والمدنى على السواء، بسبب العقوبات التى فرضتها عليها الدول الغربية، وربما حاولت التعويض عن ذلك بالتعويل على إنتاج المسيرات التى نجحت فيها تماما وصدرتها حتى لروسيا التى تعتمد عليها فى حربها فى أوكرانيا وبتطوير الصواريخ البالستية وبعيدة المدى. والمظهر الثانى للانكشاف الإيرانى هو فى مصرع تقريبا كل الصف الأول من قياداتها العسكرية النظامية وفى الحرس الثورى، واغتيال إسرائيل لتسع من أبرز علماء الطاقة الذرية الإيرانيين ممن تصفهم مصادر إسرائيلية بأنهم كانوا منهمكين فى تطوير سلاح نووى. يعود هذا الانكشاف للنجاح الهائل الذى حققته إسرائيل فى اختراق النظام الإيرانى، ليس بالاعتماد على الوسائل المعلوماتية من تقنيات التعرف على الوجوه ومسح الأجواء الإيرانية من خلال المسيرات والأقمار الصناعية واستخدام الذكاء الاصطناعى، ولكن كذلك باستخدام الجواسيس الإيرانيين والإسرائيليين إلى حد إقامة قواعد لهم داخل إيران ذاتها، للأسف ليس فى ذلك ما يدهش، فالنظام الإيرانى لا يحظى بتأييد قطاعات كبيرة من المواطنين الإيرانيين وخصوصا بين الشباب ذكورا وإناث وأيا كانت الانتماءات الطائفية للمواطنين. التضييق على الحريات بما فى ذلك الحريات الشخصية للنساء وتردى الأوضاع المعيشية يفتح الباب واسعا لتجنيد العملاء. الاغتيالات السابقة لعلماء إيرانيين، وضيوف الدولة الإيرانية وحصول إسرائيل على وثائق البرنامج النووى الإيرانى كلها سوابق تكشف مدى تغلغل الاستخبارات الإسرائيلية فى إيران ولعل ذلك درس للجميع.
هل هناك جديد فى مواقف القوى الإقليمية والدولية؟
الجديد فى مواقف القوى الإقليمية بما فى ذلك كل دول الخليج وفى مقدمتها السعودية ومصر وجامعة الدول العربية وتركيا هو أنها قد أدانت الهجوم الإسرائيلى. طبعا لا نعرف ما فى القلوب، ولكن لا شك فى جدية شعور حكومات كل هذه الدول بالقلق من تبعات الهجوم الإسرائيلى والذى قد ترد عليه إيران باستهداف مصالح أمريكية فى منطقة الخليج أو المرافق البترولية أو طرق الملاحة سواء عبر الخليج العربى أو البحر الأحمر. بل لقد ذهب فالى نصر أحد أساتذة العلاقات الدولية المتخصص فى شئون الشرق الأوسط إلى أن توزيعا جديدا للقوة قد يظهر فى الشرق الأوسط فى أعقاب ضعف محور المقاومة الذى ساندته إيران وضم كلا من حزب الله فى لبنان وحماس فى فلسطين وأنصار الله فى اليمن وقوى شيعية فى العراق، ويضم هذا التوزيع الجديد للقوة كلا من إيران ودول الخليج فى مواجهة إسرائيل التى تخشى دول الخليج أن تتمادى فى ابتزازها، ولذلك ترى هذه الدول حسب رؤية هذا الباحث أن توثيق العلاقات مع إيران يمكن أن يوازن تنامى نفوذ إسرائيل فى الإقليم، وخصوصا أن السعودية والإمارات قد استعادتا علاقات عادية مع إيران وأيدتا سعى الرئيس الأمريكى لتسوية قضية البرنامج النووى الإيرانى وتسلحها بالسبل الدبلوماسية فضلا على أن نفوذ إيران الإقليمى قد تداعى فى أعقاب الضربات التى وجهتها إسرائيل لحلفاء إيران فى فلسطين ولبنان وبعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
ولكن ما يدعو حقيقة للتأمل هو موقف الحكومات الغربية وخصوصا الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا. تراجع الرئيس الأمريكى أمام رئيس الوزراء الإسرائيلى فى تفضيله لتسوية النزاع مع إيران من خلال الوسائل السلمية، ورضخ أن الهجوم الإسرائيلى صبيحة الجمعة سبق بيومين اجتماعا كان مخططا له فى عمان بين الوفدين الإيرانى والأمريكى وبحضور مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، وخرج لوسائل الإعلام قبلها لكى يخوف إيران من هجوم إسرائيلى محتمل قد يلحق بها أهوالا، بل ووصف هذا الهجوم يوم الجمعة بعد أن وقع بأنه «ممتاز»، مما جعل المعلقين الأمريكيين يتساءلون عن مدى التزامه بالتسوية السلمية للنزاع مع إيران. وفى الحقيقة أظهر الرئيس الأمريكى رغم كل ما يشاع عن غروره الشخصى أنه ضعيف أمام نتنياهو ، وأنه فضل أن يغطى على ضعفه بالتظاهر بمسايرة رئيس الحكومة الإسرائيلية الذى بدا منتصرا يوم الجمعة وكأن له نصيب فى انتصار هذا الأخير، ولكى يبدو ما يأمل أن تظهره الحكومة الإيرانية من تنازلات فى مفاوضات جارية وكأنه نتيجة لعمل عسكرى لم يشارك فيه، ولكنه بكل تأكيد لم يعترض عليه، ومن ثم فسيجنى ثمراته.
• • •
سيتوقف المراقبون أمام موقف الحكومتين الفرنسية والألمانية واللتين سارعتا باتخاذ موقف لا يمكن إلا أن يدعو للسخرية. حكومتا فرنسا وألمانيا اللتان تصدعان رءوس العالمين بادعائهما الوقوف مع قواعد القانون الدولى، سارعتا بإعلان تأييدهما لما قامت به إسرائيل باعتباره «دفاعا عن النفس». ويعجب المراقبون ماهى دلائل عدوان إيران على إسرائيل، وحتى لو صدقنا تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية فلم تصل إيران بعد إلى عتبة إنتاج سلاح نووى، وليس هناك ما يشير إلى أنها سوف تخطط فى المستقبل لاستخدام هذا السلاح فى مواجهة إسرائيل لو قامت بينهما حرب مفترضة. بل ويكمل الرئيس ماكرون بتقديم دليل آخر على نفاقه للرأى العام العربى بإعلانه تأجيل مؤتمر مقترح للاعتراف بدولة فلسطينية كان مخططا انعقاده فى نيويورك هذا الأسبوع. وادعى أن سبب التأجيل إلى موعد سيحدد فيما بعد ّهو اعتبارات أمنية وعملية، منها أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس لن يكون قادرا على الحضور، متذاكيا على كل المراقبين الذين يعرفون أنه يخضع لتهديد الرئيس الأمريكى لمن يحضر هذا المؤتمر، وطبعا مجاملة لإسرائيل التى تخوض حربا فى رأيه "للدفاع عن النفس"، معربا عن استعداد فرنسا للمشاركة فى هذه الحرب " الدفاعية" حسبما جاء فى المؤتمر الصحفى الذى عقده ليلة الجمعة.
كل هذا فى نظر الكاتب هو موقف عنصرى فى الأساس تتخذه الحكومات الغربية تجاه قضايا العرب فى مواجهة دولة عنصرية يرونها امتدادا لأوروبا فى بلاد العرب والمسلمين ولكنهم يتنازلون لفظيا للعرب تحت ضغوط الرأى العام فى بلادهم وتواصل كل حكوماتهم، كما أكدت ذلك تقارير منشورة فى صحفهم ذاتها أنهم يواصلون تسليح إسرائيل.
الذى يدعو حقيقة للدهشة:
ولكن أحتفظ للأعزاء القراء بما أرى أنه يدعو حقيقة للدهشة، وهو موقف كل حكومات الشرق الأوسط الأخرى التى لا يبدو أنها تقدر الخطر الذى تمثله إسرائيل عليها جميعا، وليس فقط على الدول المحيطة بها سواء مصر أو الأردن أو لبنان أو سوريا أو إيران حيث هناك إما تواجد عسكرى إسرائيلى على أراضى بعضها أو خطط يجرى تفعيلها لتهجير الفلسطينيين على أراضيها أو تصريحات رسمية معلنة من جانب وزراء فى الحكومة الإسرائيلية بأن أراضى إسرائيل التاريخية التى يرون أنهم قد وعدوا بها تشمل أقساما من أراضى كل هذه الدول فضلا عن العراق والسعودية.
وقد علمنا تاريخ المشروع الصهيونى أن أحلام الصهاينة هى خطط قابلة للتنفيذ متى توافرت الظروف المناسبة. الحكم فى إسرائيل أيا كان الحزب أو الائتلاف المسيطر فيها يرى فى تقدم دول الشرق الأوسط علميا واقتصاديا وعسكريا أشد الخطر على انفراد إسرائيل بالقول الفاصل فى مصير الإقليم. ولذلك وقفت بالتخريب ضد مشروع الصواريخ المصرى فى الستينيات، واغتالت علماء الطاقة الذرية فى العراق قبل ٢٠٠٣ وبعدها، وتقاوم التقدم العلمى والعسكرى فى إيران، ويقلقها تسليح الجيش المصرى، وتعارض التعاون بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة فى تطوير الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، وحاول أنصارها من قبل وقف تسليح الولايات المتحدة للسعودية بطائرات حربية متقدمة. هذا الخطر الماثل والمشترك والجاد والخطير لم يدع كل دول الشرق الأوسط حتى الآن للخروج بمشروع يكفل لها أن تقف جميعا لموازنة وردع هذا العدو المشترك. ألا يدعو ذلك حقيقة للدهشة؟