حديث إلى الخريجين
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 15 يوليه 2017 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
في هذا الوقت من العام تظهر نتائج الكليات (والثانوية العامة أيضا ولكن حديثنا اليوم عن خريجي الجامعات) ويدخل الكثير من الشباب إلى مرحلة أخرى من حياتهم بعد تخرجهم من الجامعة.
ترددت كثيراً قبل أن أكتب هذا المقال لسببين: أولاً لأن إدعاء الحكمة بأثر رجعي ليست صفة محمودة فأنا قد تخرجت منذ مدة طويلة وأحاول الأن أن أنصح الطلاب بشئ قد أكون أنا نفسي لم أفعله!!
لذلك أرجو من كل من يقرأ هذا المقال ألا يتصور أنني أدعي الحكمة أو أي شيء من هذا القبيل، أنا فقط أحكي ما رأيته منذ تخرجي وحتى الآن عله يفيد أحدا.
السبب الثاني أننا في عصر النصيحة المباشرة فيه غير مقبولة حتى أن الأعمال الفنية التي تحتوي على نصيحة مباشرة تعتبر ضعيفة ومباشرة أكثر من اللازم لأن الشخص الموجه له النصيحة سيعتبرها إهانة له لأنك تنصحه وهو لا يظن أنك أفضل منه أو لا يقبل أن يعامل كالأطفال وأقسي ما يحدث أن يستمع لك تأدباً ثم يضرب بكلامك عرض الحائط دون حتى أن يتأمله لذلك فهذا المقال ليس بالنصيحة أو هكذا أدعي حتى يقبله الناس!!
هذا المقال مجرد خواطر طرأت علي حين تذكر السنين التي مرت منذ تخرجي وحتى الآن وأحببت أن أشارك القراء فيها علهم يجدون فيها ما يساعدهم في بداية حياتهم العملية ... أو يساعدوني هم أن عندما يثبتون لي أني على خطأّ وأن كل ما قلته كلام فارغ أو نظري لا يقبل التطبيق!!
فلنبدأ..
حتى لحظة تخرجك كان تعليمك كله إجباري، كنت مجبر على دراسة مواد معينة والعمل في مشاريع معينة، كانت مساحة الحرية فيما يتعلق بالتعليم قليلة ليست صفراً لأنك قد تستخدم الإنترنت لتتعلم أشيء بإختيارك أو هناك مواد إختياراية في الكلية ولكن السواد الأعظم من تعليمك في الفترة الجامعية في مصر لم يكن إختياراياً، أما وقد تخرجت وحصلت على شهادتك فكل ما يتعلق بتعليمك أصبح إختيارياً ولاحظ أنني ذكرت كلمة "تعليمك" بعد التخرج لأنك إن لم تنمي مهاراتك ومعلوماتك فسيسبقك الكثيرون ممن هم أقل منك من حيث القدرات العقلية والتقدير الجامعي، لماذا؟ لأن العلم يتقدم بخطى سريعة جداً في عصرنا هذا حتى أنه في مجال تخصصي (هندسة وعلوم الحاسبات) بتنا نخاف أن ما ندرسه للطلبة في سنة أولى قد يصبح بلا قيمة حين يصلون إلى سنة التخرج!
إذا ما تعلمته في الجامعة سيصبح قديما ثم غيرذي جدوى أو خطأ بعد سنوات قليلة جداً فإذا لم تحدث معلوماتك فإن درجتك العلمية لا تعني شيئا.
كنا قد تحدثنا في مقال سابق باستفاضة عن التعليم المستمر فلن نعيد كلامنا هنا ولكن دعني أذكرك بشيئين:
أولاً حظك أفضل من الأجيال السابقة بوجود الإنترنت ووجود مواقع مثل coursera وedx وudacity وغيرهم حيث يمكن التسجيل في مواد دراسية بالمجان يحاضر فيها أفضل أساتذة التخصص في العالم وتتعلم حسب مواعيدك ومواعيد عملك فكل شيء إختياري ... وموضوع المواعيد يأخذنا إلى النقطة الثانية التي أود أن أذكرك بها، قد تقول أنك مشغول جداً في بداية عملك وتظل في الشركة التي تعمل بها ساعات كثيرة وقد تكمل بعض العمل في المنزل ولايوجد وقت إطلاقاً للدراسة، حسناً إذا لم تجد أنت الوقت سيجده غيرك! هل تعمل يوم الجمعة؟ هل تستطيع أن تعطي نصف ساعة يوميا للدراسة وساعة يومياً في أيام الأجازات؟ هل توجد فرص للتعلم والتدريب في شركتك؟ فقد تستطيع دمج التعلم مع العمل لو كنت محظوظا. هذا ليس شيئاً سهلاً لذلك النجوم الساطعة قليلة!
لننتقل إلى نقطة أخرى متعلقة بمجال دراستك.
قد تكون دخلت مجال دراستك بضغط من العائلة أو بضغط من مكتب التنسيق أو بضغط من شهوة المناصب والمال (عقدة كليات القمة) أو لأنك تحب هذا المجال فإذا كنت من النوع الأخير فأنت محظوظ، بالنسبة للأنواع الأخرى هل بدأت تحب تخصصك بعد أن درسته؟ إذا كانت الإجابة بنعم فقد أصبحت من النوع الأخير ومحظوظ! أما إذا كانت الإجابة بلا فالوقت لم يفت ولا تخف لأنني لن أقول لك إدخل الجامعة من جديد ولكن أقول لك أنك يمكنك تغيير مسارك رويداً رويداً ... ستبدأ العمل في تخصصك لأنك لابد أن تعمل وفي أثناء ذلك عليك بشيئين: أولاً إدرس التخصص الذي تريد عن طريق الإنترنت كما قلنا وإوجد وقت لذلك والشئ الثاني أن تستخدم ما تعرفه في مجالك الذي تخرجت منه لتتميز في المجال الذي تحبه، ربط مجالين دائماً يؤدي إلى أفكار خلاقة ولا تظن أن ما أقوله لك هو كلام نظري.
هل سمعت عن هارولد فارموس (Harold Varmus)؟ هذا الشخص حصل على شهادته الجامعية في الأدب الإنجليزي من Amherest College ثم توجه إلى جامعة هارفارد للدراسات العليا في الأدب الإنجليزي.. ولكنه قرر أنه يريد تغيير المجال ويدرس الطب!! فماذا حدث بعد ذلك؟ حصل في سنة 1989 على جائزة نوبل في الطب ثم أصبح رئيساً للمعهد القومي للصحة (National Institute of Health) في أمريكا و حكى قصته المثيرة في كتاب شيق بعنوان (The Art and Politics of Science) أو "فن وسياسة العلم"، هل فكرت في كيفية ربط الأدب الإنجليزي بالطب؟ إذن فتغيير المسار ممكن إذا توافرت الإرادة.. ولكن قبل أن تشرع في تغيير مسارك يجب أن تعرف جيدا ماذا تريد.
ماذا تريد لمستقبلك؟ الحصول على الشهادة الجامعية ليس آخر المطاف بل أوله، هل تريد أن تكمل العمل في مجالك؟ إذا كانت الإجابة بنعم فماذا تريد أن تفعل بتخصصك هذا؟ أن تعمل بالصناعة؟ أم بالتدريس؟ أم بالبحث العلمي؟ ولماذا؟
وإذا كانت الإجابة بلا فهل هذا نتيجة ظروف قاهرية؟ أم إنك تريد تغيير المسار؟ إذا كانت ظروف قاهرية كيف تحقق أكبر مكاسب وتقلل الخسائر منها؟ إذا كنت تريد تغيير المسار فأى التخصصات إخترت؟ ولماذا؟ ولاحظ أن عمل شيء من باب الهواية يختلف عنه في الاحتراف.
أنا لا أستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة بدلا منك.. كل ما أستطيع قوله هو: مبروك التخرج!