عن ثقافة التسطيح والفاشنيستا!
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 15 يوليه 2018 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
يرسل هو كتاباته فى طقس هو بين الشعر والنثر متمنيا أن تستطيع دار النشر العربية العريقة تلك أن تنشر كتابه الثالث أو الرابع.. هو صحفى عربى عريق طاف مدن العرب التى كانت تزينها صحفها مع أول قطرة نفط... حينها راحت تستقبل الصحفيين العرب وتفتح أبوابها ليساهموا هم فى بناء صحافة حرة، مستقلة.. حرة ومستقلة؟ بما هو مسموح به حينها أو متاح.. لا نقد لرئيس الدولة الجارة حينها ولا لرئيس السلطة ولا «للصديقة» أمريكا إلا نادرا، ولا للحامية بريطانيا إلا كما ما تكتبه صحفها التى تحميها وتحمى صحفييها وكتابها قوانين وأنظمة جاءت بعد نقاشات مجتمعية وبرلمانية.
هو وكتّاب آخرون عرب يتسكعون عند أبواب دور النشر المفلسة أو الموشكة على الإفلاس أو التى تم السيطرة عليها من قبل رأس المال النائم فى فراش السلطة باسترخاء تام حتى الشخير! كانوا يقولون إن على إعلامنا أن يتحرر من قبضة الدولة أو الإمارة أو الجمهورية أو الجماهيرية، وما لبثت أن خرجت من قبضة الرقيب القاسية إلى عباءة رأس المال المقيتة.. ورأس المال فى دولنا لا يسكن بعيدا عن السلطة بل هم فى حالة «عشق» دائم لم تعرف وصفها حتى إليف شافاك وقواعد العشق الأربعون!
***
جاء لصديقى الرد سريعا فدار النشر تلك لا تنشر مثل هذا النوع من الكتابات ربما خجلا أو تواريا من قول الحقيقة وهى أننا لا نملك رفاهية طباعة كتاب لن يباع منه إلا نسخ معدودة، علينا أن نقيم الكتب على حسب الموضة كما هى الحقائب النسائية والأحذية والفساتين والعبايات والأحجبة!
ضحك ذاك الكاتب القدير الذى لطالما هندس صحفا كثيرة فى بلاده ودول الخليج الناهضة حينها وقال: أنا ابن المخيم كان بيتنا خيمة وغطاؤنا سماء واسعة لا تتعرف علينا كبشر مثل الآخرين أما هواؤنا فلم يكن إلا ذاك القادم من تلال القدس المطلة على كل فلسطين.. أنا ذاك الطفل الذى لم يعرف وجبة سوى الزعتر وزيت الزيتون وخبز الطابون تعجنه أمى بعرقها وبعض قلبها فكل قلبها تركته فى بيتها فى حيفا عند خاصرة البحر.
ردد: أنا ذاك الطفل الذى كبر ليصبح ذاك الصحفى والكاتب.. أنا لا أيأس سأرسل كتابى لكل دور النشر فلا يهم من ينشر وخطه السياسى، الأهم أن ينشر الكتاب وتصل كلمتى لهم كلهم، فلم يعد لى سوى الكلمات أهديها لأهلى هناك حيث الجدار الذى قسم المدن والعائلات بل البيوت نفسها إلى شطرين.. أنا العنيد الذى لم يعرف ملعقة الذهب تلك إلا فى كتب التاريخ عند الحديث عن أبناء السلاطين والأمراء.
***
تجول طويلا وبعد أشهر عاد ليرسل رسالة قصيرة بها كثير من علامات الاستفهام التى تأتى بعد كل كلمة.. قال باختصار أن كل دور النشر أوصدت أبوابها وعندما كثرت الأبواب راح يبحث عن نافذة ضيقة فاستشار أصدقاءه من الشباب فهم أكثر قدرة على فهم الواقع، وكيف يستطيع أن ينشر كتابه وهم أيضا ينشرون كل يوم عبر نشراتهم ووسائلهم الخاصة «بلوغز» وجرائد ومجلات الإلكترونية وبعضهم يكتفى بالرسائل المشفرة عبر الفيسبوك أو الانستجرام..
ردد هو لن ينفع فهذه كلها تجتزأ النص المتكامل الذى كتبته وتقتل الروح التى هى ليست فى الفقرة الواحدة بل فى كامل الكتاب وعاد ليشرح وهم يحتسون القهوة على رصيف تلك المدينة والمقهى يعج بالرواد من الشباب فتيات وشبانا يحملون أجهزتهم وهواتفهم «الذكية» ويتنقلون إلى عوالم مختلفة وهم لم يغادروا قهوة الكابتشينو التى يحتسونها فى ذاك المقهى على ذاك الرصيف الضيق.
***
قامت إحدى الفتيات الصحفيات اليافعات شديدة الحماس وقالت «وجدتها» سأجعل صديقتى «الفاشنيستا» تتحدث عنك بعض الشىء بين فستان وشنطة أو حفلة زفاف أو عيد ميلاد على شاطئ بعيد.. فالأعياد والاحتفالات أصبحت هى الأخرى فى خانة المنافسة لتبعد عن الملل المعتاد فى حفلات الزفاف فى صالات فنادق الخمس نجوم إلى ما يعرف اليوم ب «دستنيشن ودنج» بمعنى أن الموضة أن يكون الزواج فى مدينة أخرى بعيدة وحبذا لو كان عند شاطئ لازوردى حتى يحتفل الشباب بعيدا عن عيون «العسس».. وهى كثيرة فى مجتمعات أدمنت أن تعيش حياتين: واحدة فى العلن وأخرى فى عتمة الليل أو فى المدن البعيدة حيث لا قبيلة ولا مجتمع ولا هم يحزنون!
ضحك صاحبى كثيرا حتى انهمر الدمع غزيرا وقال: شكرا شكرا ولكن ما هى هذه «الفاشنيستا» بربكم؟!
***
ملحوظة ضرورية: كل الشخصيات والأشخاص هى فقط من وحى الخيال ولا يراد بها شخص بعينه حتى صديقى والفاشنيستا! حتى لا يطال القانون أحدا.. ذاك القانون الذى لا يعرف سوى أن يسجن الأبرياء ويترك «الهوامير الكبار» فى الهواء الطلق فوق يخوتهم يعبثون!