صور صادقة
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 15 أغسطس 2012 - 9:20 ص
بتوقيت القاهرة
شاهدت منبهرا العروض التى قدمتها فتيات مثلن أكثر من عشر دول تتنافس على الميدالية الذهبية فى رياضة الجمباز النسائى. انبهرت بأزياء المتسابقات والموسيقى المصاحبة للعروض والانضباط والتزام روح الفريق.. كانت مشاهدة ممتعة لفن راقٍ ورياضة مفيدة للجسم والروح ودليل حى على مكانة الإبداع فى حضارة ما زالت تنتظر منا أن نترك هامشها وندخل لنعيش فيها.
انبهرت أيضا بأنواع أخرى من الإبداع. انبهرت مثلا بعبقرية مصفف الشعر الذى استطاع بمهارة فائقة أن يبدع تصفيفة واحدة لشعر أكثر من خمسين فتاة من أصول وأعراق مختلفة. وانبهرت، وإن بتحفظ وتردد، بالفنان الذى أعاد رسم تفاصيل خمسين وجها لخمسين متسابقة. لم يخطئ فى إبراز جمال عين وتناسق حاجبين وأبدع فى إخفاء نقيصة أو خطأ طبيعى.
انبهرت بتحفظ وتردد لأنه فى كثير من الوجوه الرائعة التى ظهرت على الشاشة اختفت الحقيقة. جمال لا شك فيه وجاذبية وروعة وفن راق كلها تثير الإعجاب لكن تثير فى الوقت نفسه الشك فى أن الوجوه التى تراها ليست وجوه أصحابها.. هى وجوه صنعها فنان مبدع لغرض محدد ولوقت معين.
•••
جوليا بلوم، فتاة فى الرابعة عشرة من عمرها، كتبت رسالة إلى مجلة Seventeen، وهى مجلة معروفة لمئات الألوف من الفتيات تحت سن العشرين. تحدت بلوم المجلة أن تنشر صورا «حقيقية» للفتيات والنساء وليست صورا محسنة أو معدلة. وضعت بلوم رسالتها على وسائط الساحة الإلكترونية فتحمس لدعمها عشرات الألوف مما دفع بالسيدة آن سلوركيت رئيسة تحرير المجلة إلى إعلان التزامها عدم التدخل مستقبلا لتغيير تفاصيل جسم أو وجه فى أى صورة تنشرها لفتاة أو امرأة. والتزامها أيضا باستخدام «فتيات حقيقيات» وعارضات أزياء مكتملات الصحة واللياقة، بمعنى أن يكن غير محتاجات لتدخل من مصور أو فنان.
•••
يقول صحفيون محترفون إن تدخل جهاز التحرير فى الصورة أمر عادى وقديم وليس وليد التقدم فى تكنولوجيا التصوير الصحفى. هناك على سبيل المثال هذا الصحفى الذى أجرى مقابلة مع شخصية مشهورة، ويصر على أن يقوم قسم التصوير بإخفاء زهرية وقفت فى الصورة بينه وبين الشخصية المشهورة، أو لوحة زيتية على الحائط قد تلفت انتباه القارئ بعيدا عن طرفى المقابلة أو كأس شراب على يمين الصحفى.
يصفون هذه الرغبات بأنها رتوش وليست تغييرات أو تعديلات على الحقيقة، ويعترفون بأن الخيط الذى يفصل بين التحسين والتغيير رفيع للغاية، ففى النهاية هناك «حقيقة» جديدة تحاول الصحيفة إبرازها على حساب الحقيقة الأصلية. الجدل الدائر الآن يدور حول الاعتقاد المتزايد لدى تيار عريض من الصحفيين الملتزمين بأنه عندما يخفى المسئول عن التحرير آثار جرح اندمل أو يضيف «حسنة» إلى وجه فنانة أو لاعبة جمباز أو عارضة أزياء، فهو «يكذب» أو على الأقل يتخلى عن التزامه بميثاقه الصحفى.
•••
صحفيون من تيارات أخرى، وبخاصة محررو الصفحات والمجلات الفنية، يردون بالقول بأن المشاهير يغضبون إذا ظهرت صورهم مطابقة للحقيقة. أنا شخصيا أعرف أن رؤساء دول يغضبون عندما تكشف الصور حقيقة لون شعرهم أو طول جسمهم أو سنوات عمرهم. يسود أيضا الرأى القائل بأن القراء والمشاهدين عموما يفضلون رؤية السماء فى الصور أشد زرقة والنجيل أشد خضرة والناس أشد بياضا، هذا على الأقل هو ما صرح به رئيس تحرير مجلة نسائية مشهورة نشر على غلافها صورة لخروف أبيض، وكانت حجته أن الناس تحب فى الصورة اللون الأبيض الناصع وإن كانت لخروف.
•••
لم أطلع بعد على عدد أغسطس من مجلة» Seventeen أتوق لرؤية مجلة مخصصة للفتيات تحت سن العشرين ومغامراتهن العاطفية ومشكلاتهن الحياتية تنشر صور الفتيات كما فى حقيقتهن بدون تدخل من هيئة تحرير المجلة.