الخروج من القابلية للاستعمار والاستبداد
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 15 أغسطس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
ما أشبه اليوم بالبارحة. فعندما قتل الرُعاع الخليفة الراشدى الثالث عثمان بن عفان رفع كُل من هب ودب من الطامعين والفاسدين والانتهازيين قميصه الملطخ بالدم فى وجه خصومهم أو منافسيهم. لقد كانت صرخة حق أريد بها باطل.
فى أيامنا التى نعيشها الآن، فى الأقطار العربية التى شملتها ثورات وحراكات الربيع العربى، أصبحت أخطاء وخطايا أنظمة الحكم الانتقالية لما بعد الثورات التى نجحت فى إسقاط الأنظمة الانتقالية لما بعد الثورات التى نجحت فى إسقاط الأنظمة الاستبدادية الفاسدة السابقة وأخطاء وخطايا القوى السياسية التى لا تزال تناضل ضد الاستبداد والفساد، أصبحت تلك الأخطاء والخطايا قميص عثمان جديد يرفعه كل من هب ودب من قادة وأعوان الثورات المضادة فى وجه مسيرة وأهداف الربيع العربى.
فى الصحف نقرأ وعلى شاشات التليفزيونات نشاهد ونسمع نفس صرخات وأقوال الحق الذى يراد بها الباطل، باطل الرجوع إلى الوراء، إلى النكوص نحو الفساد والاستبداد والظلم، إلى اللاديمقراطية. على قميص عثمان الجديد يعلن هؤلاء بأن الاستقرار وقبضة الأمن الحديدية أهم وأولى من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والنهوض من ركام التخلف التاريخى، على قميص عثمان الجديد يكتب هؤلاء، من اللطامين المأجورين وذارفى دموع التماسيح ورافعى ألوية الزبونية فى كل عهد، بأن الإصلاحات الكبرى يجب ألا تصاحبها أخطاء أو آلام أو تضحيات، وأن العرب، من دون خلق الله جميعاً وبعكس كل قوانين التاريخ والاجتماع، يجب أن يظلوا إلى الأبد ممدودى اليد لمن يتصدق عليهم بهذا الفتات أو تلك المكرمات إن سمح له كرمه بذلك.
●●●
لا توجد مبالغة فى رسم الصورة، فالأحداث اليومية فى رسم تلك الصورة تؤكدها. وما يهمنا هو ألا يتأثر شباب الثورات ببؤسها، ففى أعماق تلك الصورة يكمن الآتى:
أولا: منذ أكثر من ستين سنة كتب الكاتب الجزائرى مالك بن نبى بأنه «لكيلا نكون مُستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار» وقد أوضح الكاتب فى كتابه الشهير (شروط النهضة) الكثير من علل ونواقص المجتمعات العربية، التاريخية والاجتماعية والنفسية والروحية منها التى أدت إلى تلك القابلية فى بلاد العرب.
وإذا قرأ شباب الثورات ذلك الكتاب والكتب المماثلة التشخيصية فسيجدون أن نفس العلل كانت ولا تزال هى السبب للقابلية لقبول الاستبداد والقهر والظلم الداخلى. ولذلك فإن الخروج من تلك القابلية سيكون عملية عسيرة ومؤلمة وطويلة الأمد، وستكون الخروج من القابلية للاستعمارين الخارجى والداخلى على السواء.
ثانيا: بسبب تلك القابلية للاستعمار والاستبداد والتى كانت حصيلة تاريخ طويل من التخلف الحضارى، بعد التراجع المعروف للحضارة العربية الإسلامية المبهرة، فإنه من الضرورى الإدراك بأنه حتى لو نجحت ثورات وحراكات الربيع العربى فى تحقيق الأهداف السياسية وانتقلت المجتمعات إلى نظام ديمقراطى معقول فإن ذلك لن يكفى. فالربيع العربى، إذا أريد له أن يكون نهوضاً حضارياً، لن يكتمل ولن يستمر فى أفق المستقبل البعيد إلا إذا ترافق مع الثورة السياسية قيام ثورات فكرية وثقافية وروحية وأخلاقية.
إن ذلك يتطلب من شباب الثورات أن يعملوا على تواجد المثقفين والمفكرين وعلماء الدين المستنيرين فى مقدمة الصفوف ليحموا ثوراتهم من هرطقات بعض الإعلاميين وعلماء الدين المتزمتين وكتاب السلاطين. ذلك أن أحد أهم أسباب الفشل فى أنظمة الحكم الانتقالية لما بعد ثورات وحراكات الربيع العربى كان غياب الفكر والثقافة والروح السامية والقيم الضَابطة للسياسة وطموحاتها.
ثالثا: للمرة الألف نقولها مع القائلين بأنه ما لم ينتقل شباب الثورات من صنع الثورات إلى ممارسة العمل السياسى المنَظم، على مستوى أقطارهم وعلى مستوى وطنهم العربى الكبير فإنهم سيقضون عمرهم فى إصلاح ما يفعله الآخرون بهذه الثورات، أحياناً باسمهم وأحياناً بادعائهم بأنهم صانعو ومفجرو الثورات.
●●●
إن ظهورهم على شاشات التليفزيون أو كتابة الكتب باللغة العربية أو اللُغات الأجنبية أو تلبية دعوات مؤسسات العلاقات العامة فى الداخل والخارج لم ينجح ثورة، ومن المؤكد لن يجعلها مستمرة بعد نجاحها. إن ذلك لم يحل محل إقدامهم على تكوين الكتلة التاريخية المنظمة الحاملة لواء الثورة السياسية ــ الاقتصادية ــ الثقافية المطلوبة، الكتلة القادرة على تحقيق الانتصارات اليومية التراكمية المفجرة للأمل والطموح والجهد فى صفوف الجماهير.
بدون ذلك ستكون الثورات ثورات عاقرة غير قادرة على ولادة أية حضارة.
مفكر عربى من البحرين