التقارب السعودى مع مقتدى الصدر!
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأربعاء 16 أغسطس 2017 - 12:52 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة The Washington Post مقالا للكاتبة «فريدة حداد» المختصة بشئون الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة، تتناول فيه بالتحليل أسباب التقارب بين مقتدى الصدر (أهم الرموز الشيعية بالعراق) مع المملكة العربية السعودية (ذات التوجهات السنّية).
استهلت الكاتبة مقالها بالإشارة للزيارة غير المتوقعة التى قام بها مقتدى الصدر إلى الرياض، بما يؤشر ببدء مرحلة تفاؤلية جديدة للسياسة الخارجية العراقية تتسم بالتقارب مع المملكة العربية السعودية، حيث شهدت العلاقات بين البلدين حراكًا واسعا فى الفترة الأخيرة من خلال تبادل الزيارات الرسمية فيما بينهما فقد توجه «عادل الجبير» وزير الخارجية السعودى إلى العراق، وتوجه «حيدر العبادى» رئيس الحكومة العراقية ثم «قاسم الأعرجى» وزير الداخلية إلى الرياض.
وأشارت الكاتبة إلى أن التقاء «مقتدى الصدر» مع ولى العهد السعودى «محمد بن سلمان» يثير التساؤلات حول توجهات الحكومة العراقية خارجيا، ومسار التنافس الإقليمى بين السعودية وإيران، بعد تقارب الرمز الشيعى مع زعيمة السنة فى المنطقة.
ومصدر الدهشة من تلك الزيارة أن مقتدى الصدر بمثابة رمز لرجل الدين الشيعى ليس ذا منصب رسمى فى الحكومة، إنما يقدم نفسه بوصفه وسيطًا شعبويًا يسعى للإصلاح والتغيير، وبالتالى هناك أمران يجب وضعهما بالاعتبار لتفسير زيارة الصدر للمملكة السنية:
الأول بمثابة رسالة للشيعة العراقيين، حيث تدل الزيارة على قوة وجود الشيعة على الساحة السياسية فى العراق، وبالتالى تعضد من قوة ونفوذ مقتدى الصدر فى مواجهة من يتحداه وينافسه داخليًا، وتكسبه مزيدًا من الشهرة والنفوذ فى الساحة الإقليمية، وتقوى موقفه داخليا فى مواجهة خصومه، خاصة مع قرب انعقاد الانتخابات وحاجته للترويج لنفسه كى يكسب المزيد من المؤيدين له.
الأمر الثانى أن تلك الزيارة بمثابة رسالة لإيران، فتلك الزيارة بمثابة كسر الهيمنة الإيرانية على توجهات السياسة الخارجية العراقية، حيث تُعلن العراق عن تحررها من الحلف الإيرانى، وتؤكد تعدد الخيارات والبدائل أمامها بدلا من التعامل مع إيران فقط، حيث قدم مقتدى الصدر نفسه بوصفه زعيما شيعيا عربيا حتى يبدأ تحالفات عربية جديدة، بعيدًا عن الطابع الدينى الشيعى إنما قائدًا وطنيًا عربيًا، بما يخُرج السعودية من الإحراج واتهامها بالتناقض فى التوجهات بعد تحالفها مع «إياد العلوى» الرمز العراقى السنى المعروف بمعاداة الشيعة.
وترى الكاتبة أن مثل ذلك التقارب يمثل تهديدًا للعراق لأنه يفتح أبوابًا لمد النفوذ السعودى فى لم تكن تحلم به من قبل، ولكن يبدو أن كلا من السعودية والعراق لا يريدان قطع جذور التواصل مع الحلفاء الآخرين؛ حيث يسعى مقتدى الصدر إلى عدم التخلى تماما عن إيران وتحقيق أقصى استفادة منها فى ظل التقارب مع السعودية فى نفس الوقت.
وتنتقل الكاتبة لتحليل رؤية الجانب السعودى للتقارب مع العراق، حيث تثير التساؤل حول ماهية العراق التى تريد السعودية التقارب معها، إما بوصفها شريكًا وحليفًا لها، أو بتحجيم وعرقلة قوة العراق من خلال الوقيعة بين العراق وحليفها الإيرانى لإحداث شرخ فى صف المعسكر الشيعى وإيقاعهما فى حروب وصدامات تكسر حدة قوة ذلك المعسكر فى مواجهة المعسكر السنى الذى تتزعمه السعودية، وكلا السيناريوهين يدلان على سعى المملكة السعودية للتقارب مع النظام السياسى العراقى والتأثير على السنة داخله بعد أن هجرتهم منذ الاحتلال الأمريكى فى 2003، فتسعى السعودية لمد نفوذها وتحقيق أقصى استفادة واقصى مصالح ممكنة من خلال التقارب مع النظام العراقى خاصة فى ظل قرب موعد انعقاد الانتخابات ولا يوجد مرشح ذو فرصة أقوى من مقتدى الصدر، لذلك تسعى السعودية للتقارب منه كى تكسب تحالفه وتضمن شريكا جديدا لها فى النظام العراقى الجديد، لكن يجب ألا تضع السعودية آمالا كبيرة على تحالفها مع مقتدى الصدر، حتى لا تُصاب بخيبة الأمل حال تراجع الصدر عن تحالفه معها بسبب عدم التوافق بين الطرفين، ويمكن للسعودية أن تحقق مخططها فى التقارب من الشعب والحكومة العراقية بعيدًا عن مقتدى الصدر لو أنها استغلت الاستياء الشعبى الشيعى من مد نفوذ إيران داخل دولتهم وعملت على تكوين تيار موال لها ومناهض لإيران، ويمكن للسعودية الاستفادة من تلك الثغرة وتحقيق انقلاب فى العلاقة بينها وبين العراق لصالحها فالتكتل الشيعى داخل العراق أصبح متفككًا مليئا بالصراعات لم يعد الشيعة تيارًا موحدًا مؤثرًا بشكل قوى.
لذلك حرص مقتدى الصدر على التقارب مع السعودية استنادًا إلى المحدد القومى الوطنى واعتبارات المصالح المشتركة بدلا من التركيز على البُعد المذهبى، فكل من السعودية والعراق يتشاركان فى هدف أساسى مفاده تقويض النفوذ الإيرانى فى المنطقة وتقليص تدخل إيران فى العراق لأن كليهما قد تضرر منها ويتعاملان معها بوصفها تهديدًا لهما، وهى نقطة انطلاق جديدة فى السياسة الدولية تسعى لتغيير العلاقة بين السعودية ــ العراق ــ إيران.
إلا أن الكاتبة فى الختام ترى أن الأمور قد لا تحدث كما هو مخطط لها، لأن هناك تحديات كثيرة تعرقل عملية التحول فى العلاقات بين الفواعل الإقليمية الثلاثة، مثل تعامل الصدر مع أنصاره الشيعة وخصومه فى الداخل العراقى، والتحدى الذى يواجه السعودية بسبب رغبتها فى عدم تقويض التحالف السنى الذى تتزعمه فى المنطقة وتعارضه مع تقاربها مع الزعيم الشيعى الذى تجنى منه مصالح كثيرة.
فالأمر ليس بالسهل كى يحدث بشكل سلس دون اعتراضات ودون عقبات تعرقله، حيث إن التقارب بين السعودية والعراق سيتعرض للإحباطات من العديد من الفواعل فى داخل تلك الدول أو من القوى الإقليمية الأخرى التى لا ترضى بذلك التقارب، فليس أمام الطرفين سوى الأمل والمثابرة حتى يتحقق مرادهما.
النص الأصلى