‎سهير حواس بطلة مصرية تحاول إنقاذ التراث.. ويبدو أن «مفيش فايدة»

محمد أبو الغار
محمد أبو الغار

آخر تحديث: الجمعة 15 أغسطس 2025 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

 

‎أستاذة العمارة والتصميم العمرانى بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والمؤسس الرئيسى السابق لقسم البحوث والدراسات والسياسات فى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، ومنسق وزارة الإسكان للمشروع القومى لتطوير الحفاظ على الهوية المعمارية للبيئة المبنية فى منطقة القاهرة الكبرى، قامت بتوثيق العمارة فى القاهرة فى القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين فى موسوعة تحديد القاهرة الخديوية للعمارة الحضرية فى وسط القاهرة. وكتبت كتاب "الحفظ الحضرى وتجديد مناطق التراث فى مصر نموذج مشروع أغاخان بالدرب الأحمر".

‎المسئول عن حصر وتوثيق المبانى القيمة فى القاهرة منذ عام ٢٠١٣، وبدأت العمل كخبير استشارى لمحافظة القاهرة لمشروع تجديد تراث القاهرة الخديوية والتنظيم الحضرى للشوارع وممرات المشاة وترميم المبانى التراثية. وفازت بجائزة الدولة التقديرية فى مجال الفنون والعمارة عام ٢٠٢٢.

‎والدها د. زكى حواس، أستاذ العمارة ورئيس  قسم الهندسة المعمارية فى جامعة عين شمس، ومقرر لجنة العمارة فى المجلس الأعلى للثقافة. تخرج عام ١٩٥١ فى جامعة القاهرة، وحصل على الدكتوراه من سويسرا، وعمل أستاذًا بجامعة عين شمس. وتحدث عن تحويل الخرسانة إلى آلة موسيقية، وشبه المبنى بالإنسان، وله مؤلفات أدبية وكتب شعرًا.

‎كتبت د. سهير حواس: مبنى هندسة السكك الحديدية المصرية التاريخى عاش بيننا محترمًا مؤديًا دوره وكان علامة فى تاريخ السكك الحديدية المصرية، وأيضًا موقعه العمرانى بالميدان.. وداعًا.

‎ورفض مقترح هدمه فى عهد الرئيس مبارك لأنه مبنى أثرى عمره ١١٠ أعوام، وهو من طراز معمارى خاص. وقالت د. سهير حواس إن مقترح هدم المبنى لم يعرض على اللجنة النوعية للمبانى التراثية لإبداء الرأى حول مقترح المشروع، وسبق رفض هدم هذا المبنى بجميع الآراء، وقالت اللجنة أن المبنى ذو طابع معمارى متميز تم تسجيله وفقًا للقانون ١٤٤ لعام ٢٠٠٦. وفى عام ٢٠٠٨ وفقًا للقانون لا يسمح بإزالة هذا المبنى، وهو أحد الشواهد التاريخية البارزة فى القاهرة وتنوى الحكومة بناء مول تجارى مكان جزء من المبنى وجزء لتوسيع كوبرى أكتوبر. وأعتقد أن غرام الحكومة ببناء مولات والولع بالخرسانة وكراهية المبانى التاريخية والسعى إلى تدمير الجمال وتحويل الأحياء الهادئة إلى أحياء عشوائية أصبح مرضًا مزمنًا يصعب علاجه.

‎وقد سألت الدكتورة سهير حواس مركز الذكاء الصناعى عن الحل فى حالة اعتراض مبنى تراثى إنشاء طريق جديد، فكانت الإجابة واضحة أولًا تعديل مسار الطريق أو الكوبرى، وهو ممكن فنيًا أن يلتف حول المبنى. إنشاء طريق أو جسر فى حالة استحالة تعديل المسار أو تخفيض درجة الطريق من رئيسى إلى ثانوى. وأخيرًا نقل المبنى إلى موقع قريب مع إعادة تركيبه. وأثبت المهندسون الخبراء أن كل الكوارث التى حدثت من هدم مبانٍ ومقابر أثرية كان يمكن تفادى ذلك بحلول هندسية لكن يبدو أن البعض لا يريد بذل مجهود أو استشارة الخبراء وهم كثيرون أو أن خبرتهم محدودة أو أن المبانى الأثرية لا تعنيهم، ولذلك لا يحاولون إنقاذها.

‎أسباب هدم المبنى غير مقنعة، والغريب أن المبنى الأثرى التابع لرئيس الوزراء بدأ هدمه فى نفس يوم الإدلاء ببيان رئيس الوزراء الذى صرح فى نفس اليوم بأن «أى مبنى ذات طابع أثرى يخضع لمعالجة خاصة ولن يسمح لملاكه بالتصرف فيه بالهدم». شىء غريب ومحير ومحزن ومحبط.

‎وقد قالت د. سهير حواس فى حوار صحفى قبل أيام من هدم مبنى السكة الحديد أن الالتزام بالقوانين هو الأهم وأن تصريحات المستثمر الخليجى للقاهرة الخديوية إرشادية وأنه لم يشترِ أو يطور مبنى  واحدا.

‎كل هذه الكلمات المطمئنة أصبحت الآن غير مطمئنة بعد ما حدث فى مبنى السكة الحديد.

‎مبنى هندسة السكة الحديد يظهر بالخريطة ٥٠٠١ الصادرة عن مصلحة المساحة المصرية عام ١٩٣٥، وجارٍ إزالته وإنشاء مول، وسوف يغير ذلك تمامًا الخريطة التاريخية، كما سوف نخسر مبنى تراثيا شاهد على تاريخ السكك الحديدية المصرية كما سيكون سببًا فى تغيير سلبى فى ذاكرة المكان.

‎الدكتورة سهير حواس عاشقة لمدينة القاهرة، فهى تحب المدينة التاريخية وقضت عمرها كله فى دراسة هذا المكان وقامت بجميع الأبحاث العلمية والهندسية وساعدت على توثيق الأماكن الأثرية. وعندها أكبر مجموعة من خرائط القاهرة الخديوية وعندها خرائط أثرية لمدينة القاهرة، وقد وثقت كل شارع وكل حارة وكل مبنى وتفاصيله وتعرف بدقة كل المبانى ذات الطابع الخاص والتى تعتبر أثر، وهى تعمل ليلًا نهارًا فى دراسة كل شىء فى القاهرة. وتقدم مجهودها للدولة والمحافظة والأحياء واللجان وبالطبع المحافظ ومجلس الوزراء إذا أرادوا أن يعرفوا معلومات حقيقية ودقيقة ونصيحة مخلصة ووطنية للحفاظ على مصر. د. سهير عضو فى لجان حكومية على مستوى عالٍ، وهذه اللجان تبذل جهدًا عظيمًا للتخطيط حتى يبقى كل أثر فى مكانه محتفظًا بقيمته، لكن واضح أن آراء الخبراء لم تصبح لها أهمية وعشوائية لقرارات سيطرت على كل شىء.

‎الدكتور سهير تمر وتتجول فى قاهرتها التى تحبها وتلاحظ وترصد أى إهدار للتراث العمرانى.

‎ومن أقوال د. سهير إن الثقافة ليست فقط معلومات بل اكتساب خبرات وتجارب تتوافق مع الواقع، والثقافة هى ديناميكية العقول والمفكرين والمبدعين وكيف تنمى الفكرة وتنشرها.

‎والدكتورة سهير حواس تشارك فى النشاطات الجامعية فى مختلف الجامعات وحديثًا شاركت فى تحكيم مشروع التخرج لقسم العمارة بكلية الفنون جامعة الإسكندرية.

‎وقد تم تكريم د. سهير من الجامعة الأمريكية ومن نقابة المهندسين على إنجازاتها الرائعة. ومنذ شهرين قدمت الدكتورة سهير عرضًا عن حياة والدها الراحل العظيم وأستاذ العمارة الكبير الدكتور زكى حواس فى نقابة المهندسين، وكان يومًا رائعًا بشهادة الجميع وتم تكريم الأستاذ الكبير د. على رأفت فى نفس اليوم.

‎والدكتورة سهير تحب القط كيتو الذى يعيش معها فى البيت ويؤنسها وتؤنسه. وتحب الفن والموسيقى، وتسعد بالاستماع إلى كوكب الشرق أم كلثوم وحضرت حفل افتتاح سينما قصر النيل بأغانى السيدة أم كلثوم. العمارة فن وبالتأكيد د. سهير تحب كل الفنون والآداب وتتمتع بها.

‎فى دول العالم الثالث أمراض كثيرة تبدأ بالفساد والدكتاتورية وعدم احترام القانون وتدهور التعليم ولكن هذه الدول ينبغ بعض أبنائها وبناتها فيقومون بأعمال مذهلة ومستحيلة فى مناخ صعب العمل فيه. والإحباطات كثيرة ولكنهم يصرون على العمل حبًا فى الوطن وإيمانًا بأهمية العلم والعمل والكفاح فى كل الظروف ينجزون بعض الأشياء ويفشلون فى أشياء، بسبب معوقات أنظمة العالم الثالث، لكن فى النهاية هؤلاء الأفراد فى جميع التخصصات هم الذين يحافظون على الوطن من الانهيار ويكافحون لتقدمه بحبهم الشديد له ولأبنائه وإيمانهم الشديد بالعلم والبحث والعمل ومن هؤلاء المصرية العظيمة د. سهير حواس. فلها كل التحية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved