نتنياهو يقود إسرائيل إلى الهلاك

قضايا إسرائيلية
قضايا إسرائيلية

آخر تحديث: الجمعة 15 أغسطس 2025 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

إن أطول حكومة فى تاريخ إسرائيل تواصل العمل وفق هدف غامض، «الانتصار الكامل»، الذى لم يُعرَّف يوما بشكل واضح، ويمكن قياسه، لكنه استُخدم طوال ما يقارب العامين كذريعة لرفض إنهاء الحرب وإبرام صفقة شاملة للإفراج عن جميع الأسرى. عمليا، كانت الرسالة التى نُقلت إلى «حماس» غير منطقية على الإطلاق: «إذا لم تفرجوا عن الأسرى، فسندمركم، وإذا أفرجتم عن الأسرى، فسندمركم أيضا». حتى «الإرهابيون» يفهمون هذا التناقض، ولذلك، من غير المستغرب أن ترفض «حماس»، مرارا، العروض المرحلية التى قُدمت لها، بينما لم يساهم الضغط العسكرى فى إحراز أى تقدّم فى مسألة تحرير الأسرى.

فى العاشر من أغسطس، وخلال مؤتمر صحافى فى القدس، عرض رئيس الوزراء، لأول مرة، «أهدافا جديدة» لإنهاء الحرب: نزع سلاح «حماس»؛ إعادة جميع الأسرى؛ تجريد القطاع من السلاح؛ فرض سيطرة أمنية إسرائيلية؛ إقامة إدارة مدنية بديلة لا تكون فيها «حماس»، ولا السلطة الفلسطينية، و«تعيش بسلام مع إسرائيل». ظاهريا، تبدو هذه المطالب مشروعة وقابلة للقياس، لكن عمليا، الشرط الأخير الذى طرحه نتنياهو يتيح له الاستمرار فى تأجيل إنهاء الحرب كما يشاء.

يبدو كأن نتنياهو يحاول أن يضع قدما هنا وقدما هناك. إذا عادت «حماس» إلى طاولة المفاوضات، وإذا تم التوصل إلى صفقة شاملة للإفراج عن الأسرى وإنهاء الحرب، فسيُنسب ذلك إلى التهديد باحتلال غزة، ويقدمه كدليل على أن العمليات العسكرية تساهم فى تحرير الأسرى، متجاهلا أن مرونة «حماس» جاءت نتيجة تغيير فى سياسة الحكومة التى رفضت سابقا مطالبة الحركة بإنهاء الحرب، وكذلك رفضت مناقشة عقد صفقة شاملة. وإذا لم تثمر المفاوضات اتفاقا، فسيعود نتنياهو ليزعم أن «حماس» هى التى تعرقل، ويعطى الضوء الأخضر لتصعيد القتال واحتلال غزة.

لو كان يسعى حقا لإنهاء الحرب وتحقيق انتصار إسرائيلى، لكان على رئيس الوزراء أن يعلن فى خطابه، بوضوح، أنه إذا تحققت الشروط الثلاثة الأولى التى طرحها، نزع سلاح «حماس» وإعادة جميع الأسرى وتجريد القطاع من السلاح، فإن إسرائيل ستنهى الحرب وتنسحب من القطاع (باستثناء مناطق الحزام الأمنى)، مع الاحتفاظ بحقها فى التصدى لأى تهديدات قد تنشأ، على غرار ما تفعله فى لبنان، وبالتعاون مع ائتلاف دولى لإعادة إعمار غزة.

فى هذه الأثناء، يعمل الزمن ضد إسرائيل. فالأضرار الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية الناجمة عن استمرار القتال فى غزة، وتآكل مكانتنا فى العالم، والارتفاع غير المسبوق فى موجة معاداة السامية، والاعتراف الأحادى من أصدقاء إسرائيل بدولة فلسطينية، والضرر البالغ الذى لحق بالاقتصاد، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وقبل كل شىء، الأذى الجسدى والنفسى الذى لحق بجنود الجيش الإسرائيلى والأسرى، أمور كلها تفوق كثيرا أى فائدة ممكنة من استمرار الحرب.

فى قصة الأطفال المعروفة «عازف المزمار من هاملن»، يقود العازف، بفعل سحر ألحانه، الجرذان إلى النهر، حيث تغرق، ثم يعود ليعزف ويقود أطفال البلدة إلى عُمق الجبل، حيث يختفون إلى الأبد. وهكذا يبدو كأن «عازف المزمار من بلفور»، فى محاولته إغراق «حماس» فى البحر، يقود شعب إسرائيل، بسحر خطابه، إلى الهلاك فى أعماق غزة.

 

بوعاز غانور

معاريف

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved