ما تفعله الوزارة بالوزراء
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الثلاثاء 15 سبتمبر 2015 - 5:50 ص
بتوقيت القاهرة
بدعوة كريمة من رئاسة الجمهورية، حضرت صباح أمس الأول الأحد الاحتفال بأسبوع شباب الجامعات العاشر فى مقر جامعة قناة السويس بالاسماعيلية، والذى تم برعاية وحضور رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى، ورئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب ورؤساء الجامعات وفى مقدمتهم المستضيف د. ممدوح غراب رئيس جامعة قناة السويس.
تفاصيل الاحتفال واللقاء وتصريحات الرئيس عرفها الناس فى حينها، لكن ربما ما لم تنقله الأخبار، وحتى الكاميرات هو وجوه بعض الوزراء وانفعالاتهم.
الذين حضروا الاحتفال من الوزراء كانت تبدو على معظمهم الحالة التى تعيشها الحكومة هذه الأيام، بعد ان قدمت حكومة المهندس إبراهيم محلب استقالتها صباح السبت الماضى، وبدأ المهندس شريف إسماعيل اجراء مشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، ويفترض أن معظم الوزراء لا يعرفون هل يستمرون أم لا؟!.
من واقع العمل فى مجال الصحافة منذ عام ١٩٨٦، ومتابعة كثير من الوزراء، يبدو لى أن الإنسان يظل على طبيعته حتى «يتوزر» أو يصير وزيرا، وبعدها تتغير بعض خصائصه الكيمائية، يدخل المرء الوزارة عاديا، لكن طبيعة المنصب تحوله فى بعض الأحيان إلى شخص آخر، إلا إذا كان إنسانا مختلفا، مكتفيا، متواضعا، وقانعا، وقادرا على مقاومة شهوة السلطة والشهرة والأبهة.
السلطة من اكثر المصادر اغواء واغراء، أخطر من المرأة اللعوب، ومن المال والجاه والذهب والفضة والقوة، هى ربما خليط من كل ذلك واكثر.
عندما يجربها الوزير أو أى شخص فى مركز مرموق، يصعب ان يهجرها، ويقاوم خروجه منها بكل السبل المتاحة، وقد يأتى بتصرفات غريبة وتتغير طبائعه، ويذل نفسه من أجل الاستمرار فى هذه السلطة.
فى لقاء الأحد بجامعة قناة السويس، رأيت وزراء مضطربين، مشوشين، كبرت وجوههم عشرات السنين فجأة فى عشرة أيام فقط، وغزا الشعر الأبيض رءوسهم بصورة واضحة. يبدو ان السلطة تعطى بعض الأشخاص ما يشبه أكسير الحياة والاوكسجين الذى يعيش به. فى هذا اليوم رأيت وزيرا شاحب الوجه، مشوش الذهن، شاردا، يكاد «يتكعبل» أثناء سيره، لأنه شبه متأكد انه لن يستمر فى الوزارة.
وفى المقابل رأيت وزراء مختلفين صامدين لا تفرق معهم كثيرا ان يستمروا أو يخرجوا، احد هؤلاء كان يبتسم ويضحك طوال الوقت، غير مكترث بما يحدث، واحترت، هل تلك فعلا هى طبيعته، أم أنه يمثل على الجميع، بل على نفسه، لكن فى كل الأحوال أكبرت فيه هذه الثقة وحمدت الله ان البعض يمكن ان يقاوم اغواء السلطة التى تشبه النداهة.
ما الذى يجعل أستاذا جامعيا مرموقا، أو مستشارا قضائيا رفيعا، أو مهندسا استشاريا كبيرا، يتمسك بمنصب الوزير، مقابل كل هذا الثمن الذى يدفعه، والضغط العصبى الذى لا يتوقف، والشعر الذى يشيب، والأسرة التى يهجرها، والخصوصية التى تنتهى أو تنتهك؟!.
هناك رجال أعمال فى غاية الثراء ضحوا بأعمالهم وجمدوها أو تركوها، من أجل ان ينالوا لقب سيادة الوزير، هؤلاء كانوا يكسبون الملايين شهريا ورضوا بالملاليم من أجل المنصب، بعض هؤلاء يقولون أن لديهم أحلاما وطموحات للتغيير، من أجل البلد والمجتمع، ربما يكون ذلك صحيحا جزئيا، لكن ظنى ان الغالبية تسعى وراء اللقب.
وفى المقابل هناك قلة ترفض بإصرار كل محاولات التوزير، تفضل ان تواصل عملها فى هدوء، وسكينة. احد هؤلاء عرضت عليه الوزارة اكثر من مرة وكان دائم الرفض، ويرد على المتعجبين والمندهشين بسؤال منطقى هو: «إذا كنت أكسب جيدا، واتمتع براحة البال، وإذا كان الرأى العام فى هذه الأيام لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب، وإذا كان الإعلام ينتهك كل المناطق المحرمة بالحق والباطل، فما الذى يجبرنى على ان أدخل بنفسى عش الدبابير، واخرج من المنصب بعد شهور أو سنوات بكوكتيل من الامراض والبهدلة على يد كل من هب ودب»؟!.
عموما.. ما رأيته فى الاسماعيلية قبل يومين يقول انه رغم كل هذه الصعاب فإن الاقبال على المناصب لا يزال كبيرا، ويبدو فعلا ان الوزارة تغير التركيبة الكيمائية والنفسية لمعظم من يتولوها.. كان الله معهم ومعنا.