جيل ما بعد أوسلو
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 15 أكتوبر 2015 - 10:00 ص
بتوقيت القاهرة
طلب وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى المكالمة الهاتفية التى أجراها مع رئيس الوزراء «الإسرائيلى» بنيامين نتنياهو عدم التصعيد فرد عليه بأن على السلطة أن توقف التحريض.. وفى مكالمته مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس طالبه بوقف التصعيد فقال له أبومازن نحن لا نصعد بل هم الذين يواصلون استفزاز شعبنا ويتعاملون معه بعنف، فقال كيرى إنه «يفهم ذلك ولكن يجب بذل الجهود». حماس من جانبها أبلغت «إسرائيل» أنها ما زالت ملتزمة بالتهدئة، نتنياهو غير معنى بالتصعيد ولا السلطة ولا حماس؟ فمن الذى يصعد ويرد على الإرهاب اليهودى؟
إنهم جيل الشباب أو بالأحرى جيل أوسلو الذى ولد بعد اتفاق أوسلو مثلما أشعل الانتفاضة الأولى الجيل الذى ولد تحت الاحتلال ذلك الجيل الذى اتهم ظلما فى حينها أنه بدأ يتحدث العبرية وهجر وطنيته لصالح العمل داخل الكيان «الإسرائيلى»، لكن المفاجأة أنه كان الجيل، الذى تحدى الاحتلال بصدور عارية مثله مثل الجيل الذى ولد مع أوسلو فهو الذى يخوض منذ سنوات معركة ضد سياسة القبضة الحديدية والاستيطان واقتحام المقدسات كالمسجد الأقصى. وهو الجيل الذى يمارس الطعن ويقاتل بيديه فى المدينة أمام جنود مدججين بالسلاح ومستوطنين مدججين بالحقد والكراهية والعنصرية إضافة إلى السلاح.
•••
حتى الآن لا أحد يعرف المدى الذى ستصل إليه الأمور فى الأراضى الفلسطينية، فمن جهة حاولت حماس فى البداية توجيه خطابها الإعلامى النارى إلى الضفة على أمل حدوث انتفاضة تقلب الأوضاع لكن شعب غزة سرعان ما تضامن مع الضفة رغم الجغرافيا الميتة، التى تمنعه من الوصول إلى مواقع الاحتلال خلف السياج الحدودى، وهذا الزحف الاستشهادى نحو السياج لجم كل الفصائل بما فيها حماس التى ألقت اللوم على الحصار، الذى يمنعها من الرد وليس التمسك بالتهدئة.
أما حركة فتح التى يقود شبانها المواجهات منذ البدء فهى لا تسيطر على جماهيرها كما أن قادة ووزراء فى السلطة أيدوا حتى الرد بالعمل المسلح ضد الاحتلال ولم يكن بوسع قيادة السلطة أن تطلب من الشبان الانسحاب من المواجهات لأنها هى من يطالب بالمقاومة الشعبية للاحتلال لكنها سعت إلى منع عمليات عسكرية.
فى حسابات الربح والخسارة يقول البعض إن هذه الهبة رغم عدم الإسناد العربى والإسلامى لها فإنها أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الإعلام والأحداث بعد التراجع المخيف الذى لحقها وسط تلاطم أحداث سوريا والعراق وليبيا واليمن، وسلطت الضوء على قضية المسجد الأقصى والقدس التى ظن الاحتلال أنه استطاع ترويضها وفرض هيمنته عليها بتشريع قوانين قمعية ضد البشر والحجر والشجر تتضمن اقتراحات بسجن من يلقى حجارة لمدة عشرين سنة وسحب المواطنة المقدسية من ذويه، وهدم المنازل. وتضمنت العقوبات التى تمت الموافقة عليها يوم الأحد الماضى سجن الأطفال وفرض غرامات باهظة على ذويهم. لكن هذه القبضة القمعية وجدت ردودا فردية موازية كعمليات الطعن والاحتجاجات اليومية.
ويحاول نتنياهو وقد دب الرعب فى صفوف «الإسرائيليين» حيث أفاد استطلاع للرأى أن أغلبية اليهود لا يشعرون بالأمن، أن يرضى جمهوره من خلال حشد المزيد من قوات الاحتياط لفرض الأمن بالقمع، لكن كما يبدو من استطلاعات الرأى فإن اليهود بدأوا ينظرون إلى نتنياهو وكأنه رئيس وزراء فاشل، فشل فى حربه على غزة ويفشل فى مواجهة الهبة التضامنية مع المسجد الأقصى، وهو يحاول الآن تشديد قبضته على القدس وخاصة البلدة القديمة والمسجد الأقصى وتفريغ الحرم القدسى من المصلين والمعتكفين ومصاطب الدرس.. بمعنى آخر أنه يحاول فرض هيمنة الاحتلال الكاملة على البلدة القديمة داخل الأسوار وإخلاء المسجد الأقصى من المدافعين عنه.
لكن هناك من يقول إن قعقعة السلاح من الجانب الفلسطينى سرعان ما ستندلع إذا تواصلت الحملة القمعية الاحتلالية، والتى طالت الفلسطينيين، داخل الكيان، وقد هبوا أيضا لنصرة المسجد الأقصى، وبدأ الاحتلال بمنع قوافل المصلين من مدن الداخل إلى المسجد الأقصى. لكن هناك من ينتقد حمل السلاح إن وجد لأن الضفة منزوعة السلاح عمليا بعكس غزة ويقول إن الميدان العسكرى هو الميدان المفضل للاحتلال.
وفى هذا السياق ظهرت لهجة سياسية «إسرائيلية» جديدة تدعو لاعتبار الفلسطينيين داخل الكيان كفلسطينيين، وليسوا «إسرائيليين» يحملون الجنسية «الإسرائيلية» بمعنى آخر لا يتمتعون بحقوق المواطنة.
•••
فى النهاية هناك من يتوقع أعمالاً عسكرية مغامرة قد يقدم عليها نتنياهو فى الضفة وغزة لإعادة الاعتبار لنفسه، وهناك من يقول إن أصابع إيران بدأت بالتحرك سواء فى غزة أو الضفة، بل يقال إن من نفذ عملية شرق نابلس هو جناح من كتائب الأقصى مرتبط بإيران كما أن حماس وضعت حركة الصابرين الموالية لإيران فى غزة والتى شاركت فى تظاهرات غزة تحت المراقبة، وتعرض أحد قادتها للطعن من قبل عناصر حماس فى إحدى التظاهرات.
وهناك الحركة السلفية التى تطلق الصواريخ على التجمعات «الإسرائيلية» حول غزة وهى مرتبطة فكريا بتنظيم «داعش». فالأوضاع فى الضفة وغزة مهيأة لكل الاحتمالات حتى الآن إذا لم تبادر واشنطن إلى الضغط على حكومة اليمين «الإسرائيلى» لكبح الإرهاب اليهودى فى الضفة ورفع يدها عن المسجد الأقصى. فالاحتلال يبدو كمن فقد وعيه والفلسطينيون كمن استعادوا وعيهم!
حافظ البرغوثى
الخليج - الإمارات