إرث شارون
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الخميس 16 يناير 2014 - 9:45 ص
بتوقيت القاهرة
افتتاحية «هاآرتس»
جسد أريئيل شارون طوال مسيرته العسكرية من قيادة «الوحدة 101» وحتى مقعد وزير الدفاع، أكثر من أى شخص عسكرى آخر، نزعة القوة والبلطجة الإسرائيلية. وبدءا بعملية قبية ومعركة المطلة وحتى احتلال بيروت فى حرب لبنان الأولى (1982)، قاد شارون المرة تلو الأخرى مرءوسيه إلى عمليات خلافية مضرجة بالدماء. وساهمت شجاعته فى بناء الروح القتالية للجيش الإسرائيلى، وبلغت ذروتها فى اجتياز قناة السويس بما رجح الكفة فى حرب يوم الغفران. لكن بعد أقل من عقد من ذلك عُزل من وزارة الدفاع إثر تقرير لجنة كاهان عن مذبحة صبرا وشاتيلا.
كان شارون فى إنجازاته كما فى إخفاقاته، يأخذ زمام الأمور بيديه، ويستخف بالمسئولين عنه ويكذب فى تقاريره.
إن نزعة القوة وكراهية العرب واحتقار السياسيين ميزت شارون كذلك فى حياته السياسية التى بدأت بمبادرته الناجحة لإقامة الليكود سنة 1973.
وكان سيد المستوطنين وملأ الضفة الغربية وقطاع غزة بعشرات المستوطنات الضارة والتى لا لزوم لها. وعارض كل اتفاقيات السلام التى وقعتها إسرائيل مع جيرانها. وزيارته إلى الحرم القدسى الشريف فى صيف 2000 كانت الشرارة التى أشعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وحتى فى أواخر حياته السياسية، عاد شارون ليروج ما سمعه من أمه: «لا تصدق العرب».
لكن منذ اللحظة التى حقق فيها حلمه وانتخب رئيسا للحكومة تغيرت مقاربته. وعندما ألقيت المسئولية العليا على كاهله أدرك شارون حدود القوة، ورأى أهمية قصوى فى ضمان الدعم الأمريكى لإسرائيل، وامتنع عن أعمال كان من شأنها أن تعرض هذا الدعم للخطر. وخلافا لصورته المتسرعة فى الماضى، فإنه عندما أصبح رئيسا للحكومة اتخذ القرارات ببطء وحذر، ونفذها فقط بعد أن ضمن التأييد الجماهيرى والإسناد من واشنطن. هكذا خرج متأخرا إلى حملة «السور الواقى» كى يوقف موجة العمليات الانتحارية، ووافق على إقامة الجدار الفاصل خلافا لموقفه السابق. وهكذا أيضا أخلى المستوطنون من قطاع غزة فى إطار «خطة الانفصال»، وامتنع عن شن هجوم على المنشآت النووية فى إيران، وفضل أعمال إحباط هادئة من جانب الموساد.
ولا شك فى أن إخلاء مستوطنات غوش قطيف (قطاع غزة) الذى كان إرثه السياسى، كرس سابقة مهمة وأظهر أن الاستيطان ليس أبديا.
ويمكن القول إن خليفتى شارون، إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو، انحرفا عن الخط الذى رسمه. فأولمرت انطلق إلى حرب لا لزوم لها فى لبنان وحملة عسكرية هدامة فى غزة، ونتنياهو أبدى ضبطا للنفس فى كل ما يتعلق باستخدام الجيش، لكنه خرب العلاقات مع الولايات المتحدة. ومنذ أن ترك شارون منصب رئيس الحكومة، تفتقر إسرائيل إلى زعامة تعترف بحدود القوة وتحافظ على التحالف مع الولايات المتحدة، وتبدى شجاعة سياسية فى المناطق «المحتلة» ولا تهاب المستوطنين.