دعتنى إذاعة البرنامج الثقافى لإجراء حوار حول الأحداث الثقافية الراهنة وكانت المرة الأولى التى أسعد فيها بهذا الشرف، لذلك ذهبت وفى ذهنى أمران: الأول إيمانى بأهمية الإذاعة المصرية بمختلف موجاتها لأنى من الجيل الذى مثل له «الراديو» بوابة كبيرة للخيال، أما الأمر الثانى فيتعلق بالدور الذى لعبه البرنامج الثقافى فى تكوينى خلال سنوات الجامعة حين استمعت لأول مرة لمسرحيات صلاح عبدالصبور الذى صار بعدها شاعرى المفضل.
وتحت تأثير هذا الحماس ذهبت وفى ذهنى ما قرأته عن تاريخ هذه الإذاعة التى بدأت إرسالها فى 5 مايو 1957 (قبل تأسيس وزارة الثقافة) ويرجع الفضل فى تأسيسها للإذاعى الرائد سعد لبيب، وكانت باسم «البرنامج الثانى» وهدفها تثقيف الشعب فى إطار مشروع ثورة يوليو الطموح لتنمية وعى الناس واستكمال جهد الجامعة الشعبية التى تحولت للثقافة الجماهيرية بعد ذلك وكان هذا قبل أن نعرف عصر المحطات المتخصصة بسنوات طويلة.
وعبر تاريخها قدمت الإذاعة كما تشير صفحة «ويكيبيديا» ما يزيد على 900 عمل من كلاسيكيات المسرح العربى والعالمى والعديد من الأعمال الدرامية المعتمدة على نصوص أدبية قام بإخراجها والتمثيل فيها كبار الممثلين، وهناك برامج عن رموز ثقافية عربية وعالمية كتبها فؤاد كامل، وإدوار الخراط، وخيرى شلبى، وأغلبها قدمت فى قالب درامى بأصوات ممثلين بقامة محمود مرسى الذى كان من بين مخرجى الإذاعة فى ذروة مجدها وإلى جواره عمل كاتبنا الكبير بهاء طاهر الذى كان فى بداياته ناقدا ومخرجا مسرحيا له شأن قبل أن يتحول للكتابة الروائية ولا أزال أتذكر اسم الشريف خاطر الذى كان يقدم المسرحيات العالمية.
ويزخر أرشيف البرنامج الثقافى بلقاءات نادرة لعدد من رواد الثقافة المصرية والعربية إلى جانب برامج فى الثقافة الموسيقية قدمها حسين فوزى، ود. يوسف شوقى، مدت أغلب عشاق الموسيقى الكلاسيكية بالمعرفة اللازمة لتنمية هذا الشغف.
والحاصل أن وجودى ضيفا لمدة ساعة فى ستديو هذه الإذاعة سبب لى شعورا جارفا بالمرارة والحزن على ما آلت إليه أوضاعها وخرجت وأنا أقول يا ليت الصورة ظلت على جمالها القديم، لأن الحال «لا يسر العدو ولا الحبيب» ولا يليق بدولة يتحدثون رجالها ليل نهار عن «القوى الناعمة»، فالإذاعة التى كان يمكن أن تكون يدا قوية لمكافحة الإرهاب وتوعية الناس وتثقيفهم تعانى فقرا لافتا فى الإمكانيات المادية على الرغم من كفاءة الزملاء العاملين فيها والذين ينطبق عليهم المثل القائل: «الشاطرة تغزل برجل حمار».
ويكفى الإشارة إلى أن جهاز الكومبيوتر الوحيد داخل الاستديو قطعة من الحديد الأصم بلا «إنترنت» يتيح لفريق الإذاعة التواصل مع جمهور المستمعين عبر وسائل التواصل الاجتماعى، كما أن موجات البث ضعيفة تغطى حدود القاهرة بالكاد.
ولم يعد فى هذه الرذاعة ما يدل على عراقة ماضيها سوى اسمها الذى تغير ونوادر الأرشيف الموجود بعضه على الرنترنت بفضل جهد هواة التسجيلات وليس نتيجة جهد مؤسسى يعتنى به ويقدر قيمته.
ولا أحد يعرف لماذا لا يفكر القائمون على أمر الإذاعة فى إعادة استعمال أرشيفها بالطريقة التى تعمل بها قناة «ماسبيرو زمان» ليكون لدينا موجة خاصة لـ«إذاعة زمان» تستثمر فى ماضيها الذى لم يعد لدينا سواه؟.
ولماذا لا يفكر أصحاب الشأن فى إنقاذ هذه الإذاعة وتعميم فائدتها بدلا من تركها مثل خيل الحكومة فى انتظار رصاصة الرحمة.