هل يتمرد علينا الذكاء الاصطناعى؟ هل يمكن أن ننافس الدول المتقدمة؟ هل الجيل الكبير «راحت عليه» والأمل فى الجيل الصغير؟.. أسئلة حان أوانها
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 16 فبراير 2024 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
فى الأسابيع الماضية كان لى شرف إلقاء محاضرات عن الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا بعامة فى عدة أماكن مثل معرض القاهرة الدولى للكتاب وعدة جامعات فى مصر. تخللت تلك المحاضرات أسئلة ومناقشات مهمة ومفيدة مع الحضور وأحب أن أشارك القراء الكرام بعض النقاط الهامة التى أثيرت فى تلك اللقاءات لأنها تعبر عن مخاوف وفضول الناس حيال أية تكنولوجيا جديدة، وكلما كانت التكنولوجيا متقدمة وتضع بصمتها على مختلف مناحى الحياة كلما زاد الفضول وزادت المخاوف.
...
هل يجب أن نخاف من الذكاء الاصطناعى؟
دائما ما يتساءل الناس إن كان من الممكن أن تتمرد علينا برمجيات الذكاء الاصطناعى، وإجابتى دائما هو أن هذا لا يمكن إلا لو أعطينا تلك البرمجيات تحكم أكثر مما يجب، مثلا لا تعطى تلك البرمجيات التحكم التام فى الأسلحة دون أن يكون للبشر القدرة على أن تتدخل وتوقف تلك البرمجيات وتستعيد السيطرة إذا ما استلزم الأمر، ومثل ذلك فى مختلف المجالات، أى لا تترك حياتك كلها فى يد البرمجيات دون أن تكون هناك وسيلة للتدخل البشرى. أما أن تقرر تلك البرمجيات أن تتمرد فهذا معناه أنها تشعر بالعظمة وأنها أفضل من البشر وهذا لا يمكن أن يحدث. هناك شيئان لا أتوقع أن يحدثا فى مجال الذكاء الاصطناعى: الوعى والأحاسيس، وذلك لسبب بسيط: أننا لا نعرف حتى الآن كيف تعملان. نحن حتى لم نستقر على تعريف كامل ومتفق عليه للوعى وكيف نقيسه. طبعا أول رد على ذلك: الوعى هو أن أحس بما حولى وأجهزة الكمبيوتر ترى وتسمع إذا فهى واعية. هذا الكلام غير دقيق، الوعى ليس فقط أن ترى وتسمع إلخ، بل هناك من يزيد أن الوعى هو أن تعلم أنك واعٍ، وهذا يدخلنا فى مناقشات فلسفية ليس مكانها هذا المقال. الموضوع ما زال قيد البحث لكن دعنى أعطى مثالا آخر عن ماهية الوعى وهو متعلق بالألوان. أنت ترى اللون ونستطيع قياس الطول الموجى لها لكن إذا طلب منك أحد أن تصف اللون الأحمر مثلا فلن تستطيع، أقصى ما يمكن فعله هو أن تضرب مثلا. أنت ترى اللون الأحمر والكمبيوتر أيضا يراه باستخدام الكاميرات لكنك تعيه والكمبيوتر لا يعى.
هذا مثال صغير لكن المهم هو أننا ما زلنا لم نصل إلى المعنى الشامل للوعى وبالتالى لا نستطيع أن نصنع كمبيوتر يعى.
...
هل الجيل الأكبر سنا أفضل من الجيل الجديد؟
النقطة التالية لها علاقة بالمهارات. دائما ما يرى كل جيل أن الأجيال اللاحقة أضعف من حيث المهارات وبالتالى فمستواها المهنى متدهور، مثلا فى إحدى الندوات كان أحد الحضور من جيل كبير نسبيا يعيب على الجيل الحالى ضعف مهارته فى العمليات الحسابية مثلا مقارنة بالأجيال السابقة، هذا صحيح طبعا، ولكن هل نحتاج من الجيل الحالى أن يقوم بعمليات حسابية فى عقله أو باستخدام الورقة والقلم؟ بالطبع لا، هذا المهارة قد ضعفت عند الجيل الجديد مثلها مثل القدرة على التركيز لمدة طويلة والقدرة على الحفظ، لكن الجيل الجديد أكثر قدرة بكثير من جيلنا والأجيال السابقة على التعامل مع التكنولوجيات الجديدة والتأقلم معها، وحيث إن التكنولوجيا تتقدم وتتغير بتسارع كبير فى عصرنا فإن الأجيال الجديدة تمتلك المهارات اللازمة لذلك.
والدليل على ذلك هو كيفية تعامل الجيل الحالى مع تقنيات الذكاء الاصطناعى وتعامل الأجيال السابقة معها، ومن المنتظر أن تظهر أجيال أكثر تقدما من الجيل الحالى للذكاء الاصطناعى كما أنه من المنتظر أن نرى الذكاء الاصطناعى يتغلغل فى كل مناحى الحياة وبالتالى سينجح من يمكنه التأقلم والتعامل بكفاءة مع هذه التكنولوجيا المتغلغلة المتغيرة.
هذا طبعا لا يعنى أن الأجيال الأكبر سنا لن يكون لها دور، ولكن دورهم مختلف، الأجيال الصغيرة ستتعامل بكفاءة مع التكنولوجيا الحديثة لكن التكنولوجيا هى أداة واستخدامها يتبع استراتيجية أكبر وهذا دور الأجيال الأكثر خبرة.
نأتى إلى نقطة تتكرر دائما من الحضور عندما يأتى ذكر التكنولوجيا المتطورة.
...
منافسة الدول المتطورة تكنولوجيا
«أين نحن من العالم؟» هو سؤال يشغل بال الكثيرين. يظن الناس أن التكنولوجيا المتقدمة تحتاج إمكانيات متطورة لا تمتلكها الدول النامية، هذا ليس صحيحا دائما. إنتاج تكنولوجيا متقدمة يشتمل على إيجاد الفكرة، ثم التنفيذ، ثم الاستخدام.
نحن عندنا جيش من الباحثين يتمتع بقدرات تساوى، بل وتفوق فى بعض الأحيان الباحثين فى الدول المتقدمة، لكن جهودهم مشتتة ويحتاجون من يوجههم ويوحد جهودهم. التنفيذ والتصنيع يمكن فى بعض الأحيان أن يتم عندنا خاصة فى بعض مجالات البرمجيات وفى تصميم رقائق الكمبيوتر وفى المجالات الأخرى يمكن التصنيع فى بعض الشركات فى الخارج. شركة مثل إنفيديا وهى من أكبر شركات العالم فى تصميم رقائق وبرمجيات الذكاء الاصطناعى لا تمتلك مصانع وتستخدم شركة (TSMC) للتصنيع، التصميم هو الأساس وهو ما يجلب الأرباح. الاستخدام وهو الضلع الثالث فى توطين التكنولوجيا يحتاج عقليات اقتصادية وإدارية وهو ما نمتلكه أيضا.
...
فى النهاية يمكننا أن نقول إنه للمنافسة فى عالم التكنولوجيا الحالى نحتاج الآتى:
توحيد جهود الباحثين عندنا بحيث تتكامل جهودهم بدلا من التشرذم. يجب أن يكون عندنا خطة استراتيجية لتوطين واستخدام التكنولوجيا ثم نترك الباحثين يتنافسون حول تنفيذ هذه الأهداف.
نحتاج تطوير علم البيانات (data science) عندنا حتى نتمكن من تطوير برمجيات الذكاء الاصطناعى المعتمدة على تعليم الآلة عندنا بدلا من الاعتماد على البرمجيات المعتمدة على البيانات القادمة من الخارج فقط، خاصة وأن تلك البرمجيات ستستخدم فى جميع مناحى الحياة. ولنا فى تشات جى بى تى المثال الواضح عندما نسأله عن قضايا تهم منطقتنا ونرى إجابات تسير وراء السياسات الخارجية لدول أخرى. علم البيانات موجود منذ عدة سنوات فى كثير من جامعات الخارج، لكنه ما زال وليدا عندنا.
المستقبل يعتمد على البرمجيات وعلى الرقائق (chips)، فلا يجب التركيز على واحدة دون الأخرى، بل إن الأجيال القادمة من الذكاء الاصطناعى تحتاج رقائق متقدمة، المجال مفتوح أمامنا للإبداع.
نحن فى عالم رأسمالى سواء شئنا أم أبينا لذلك نحتاج رواد أعمال مهتمين بالتكنولوجيا، ولا أقصد طبعا عمل بعض التطبيقات على التليفونات لبيع بعض الخدمات أو المنتجات، المستقبل أكثر تقدما.
المستقبل فى القرن الواحد والعشرين يعتمد على التكنولوجيا فقط، فلنكن مستعدين.