دروس انتخابات الصحفيين
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 16 مارس 2019 - 10:40 م
بتوقيت القاهرة
ملاحظات ودروس ومعانٍ مهمة وكثيرة شهدتها انتخابات نقابة الصحفيين التى جرت يوم الجمعة الماضية. تواجدت فى النقابة من الثانية ظهرا حتى العاشرة والنصف ليلا.
وفيما يلى أبرز الملاحظات: كثيرون توقعوا أن يكون الإقبال هو الأضعف على الإطلاق بالنظر إلى عدم وجود تنافس كبير وساخن على منصب النقيب، وكانت المفاجأة هى تسجيل رقم قياسى فى نسبة المشاركة زادت على خمسين فى الائة بنحو خمسة آلاف صوت.
كيف يمكن تفسير ذلك؟!
أحد المفاتيح الرئيسية هى أن نسبة الصحف غير القومية صارت تمثل الأغلبية للمرة الأولى نحو ٥٤٪، وعلى الرغم من ذلك فإن المؤسسات الكبرى لا تزال تملك التأثير الأكبر فيما يتعلق بالحشد والتعبئة. مؤسسة أخبار اليوم بإصداراتها المختلفة حشدت منذ أسابيع، لكثرة عدد مرشحيها خصوصا رفعت رشاد وخالد ميرى ومحمود كامل، وهو ما أدى أيضا إلى تحرك مؤسسة الأهرام خصوصا فى الأيام الثلاثة الأخيرة وتمكنت من حسم الأمر، وبالذات فى منصب النقيب.
حينما أعلن ضياء رشوان ترشحه، ظن كثيرون أن الأمر محسوم لصالحه، لكنه أدرك أن هذا «الإيحاء» قد يكون عامل ضرر كبير له، وسيتيح الفرصة لمنافسه، ولذلك تحرك فى الأيام الأخيرة بصورة أكبر.. وتحركت معه مؤسسة الأهرام بمنطق جزء منه قبلى، ردا على تحرك الأخبار المماثل.
البعض اعتقد أن رفعت رشاد قد يحقق المفاجأة، لكن ذلك لم يحدث، لكن الأصوات التى حصل عليها ١٥٠٠ صوت، لا يمكن تفسيرها فقط بأنها أصوات «الأخبار» أو حتى «لوبى أبناء سوهاج»، لكن فى جزء منها هى «أصوات غضب» ضد حال الصحافة المصرية.
السياسة لم تكن عاملا جوهريا، فى الانتخابات، لكن إحساس غالبية الصحفيين بالأزمة العميقة التى تعيشها مهنتهم، ربما كان العامل الأساسى فى توجههم بهذا العدد الكبير. وهذا التفسير سمعته من العديد من رموز المهنة الذين قابلتهم بالأمس فى أسوان لحضور منتدى الشباب.
فوز ضياء رشوان يمكن عَزْوُه ــ ضمن أسباب كثيرة ــ إلى إحساس من صوتوا له بأنه الوحيد القادر على التفاهم والتفاوض الجاد مع الحكومة من أجل وقف انهيار المهنة أولا، وتحسين أحوال الصحفيين المتردية ثانيا.
لم يكن هناك تنافس كبير على منصب النقيب على أساس سياسى كما كان الحال فى معظم انتخابات الصحفيين السابقة، وربما سبب ذلك هو الأزمة العميقة التى تمر بها المهنة اقتصاديا وتحريريا. وعلى الرغم من ذلك فلا يمكن إغفال حصول محمود كامل ابن الأخبار على أعلى الأصوات على الإطلاق، وهو محسوب على معسكر المعارضة، لكن فى المقابل فإن خالد ميرى رئيس تحرير الأخبار حصل على رقم قياسى أيضا، وهو محسوب على المعسكر الآخر. وما بين كامل وميرى كانت هناك ظاهرة «حماد الرمحى» الذى حقق مفاجأة كبرى، وفاز على أساس خدمى أولا وأخيرا.
وبالتالى فلا يمكن القول إن الحكومة أو المعارضة كسبت أو خسرت. فحتى خالد البلشى الذى لم يوفق بفارق ٣٥ صوتا فقط، كان الذى فاز أمامه هو هشام يونس القريب من معسكر المعارضة. وفى كل الأحوال ينبغى على من يهمه الأمر قراءة متأنية فى هذه الأرقام غير المسبوقة.
الملاحظة الأهم أن الصحيفين بمشاركة نصفهم تقريبا فى الانتخابات بعثوا برسالة قوية بأنهم يخافون على مهنتهم، وأن على الدول والحكومة أن تتعامل مع هذا الأمر بجدية.
الحكومة كانت ذكية حينما وافقت على زيادة «بدل التكنولوجيا» للصحفيين، من دون أن تربطه باختيار مرشح معين، كما حدث أكثر من مرة قبل ذلك، وربما يمكن تفسير ذلك بأنه نضج، أو أنه لم يكن من بين المرشحين من هو سافر المعارضة لها.
عموما هناك أكثر من درس من انتخابات الصحفيين. أهمها أنه حينما يتاح للناس التعبير عن آرائهم بحرية، فإن النتيجة تكون مفيدة للجميع. والجميع هنا أقصد به المجتمع بأكمله وليس تيارا معينا. الحكومة لم تخسر، والمعارضة موجودة بقوة، والجميع عبر عن نفسه بصورة حضارية، ونرجو أن يتم تعميم هذه التجربة فى قطاعات أخرى كثيرة.