الحلم حتى آخر رعشـة
خولة مطر
آخر تحديث:
الثلاثاء 17 أبريل 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
كلما ضاقت الأرض بأحلامنا ارتحلنا إلى السماء نبحث عن نافذة تنقل الشمس والهواء وكثيرا من الأمل أو ربما نبحث عن مساحة مهما ضاقت لنخبئ أحلامنا الصغيرة فيها.. هكذا هى الأيام الآن لكثيرين منا كانوا قبل عام حالمين حتى آخر دمعة.. منتشين حتى آخر رعشة..
عندما كانت السماء تغلق بوابات شمسها ويأتى القمر متسللا فى الأفق كنا نغادر الميدان عائدين إلى مساحة من الحلم نخبئها بين أضلعنا.. كلما كبرت المساحة شيئا فشيئا كلما ازداد خوفنا من القادم.. ربما تضيق الأرض بها يوما كنا نقول ربما؟؟ وما هى سوى الأيام زحفت حتى أصبحنا فى الذكرى الأولى لها جميعا لتلك التى قامت هنا وارتحلت إلى هناك.. الصرخة الأولى القادمة وتبعتها هتافات وشعر ونشيد وكثير من الأحلام للحالمين القادمين.. كانوا وكنا نعتقد أننا على بعد خطوة من الحلم ونصف خطوة من الحرية.. كانت الشمس واعدة يومها أرسلت دفئها فاغتسلنا جميعا استعدادا لأيام العيد القادمة.. حتى الأرض حيث كنا وحيث استأمناهم بعد الرحيل انتشت بكثير من ماء الورد النقى..
●●●
ما لبث أن اختبأ القمر هو الآخر ليطل عليها، على تلك الساحات، إلا قليلا هو خجل منها أو من الأحلام التى زحف الظلام عليها فاسودت ومعها راحت تلك البقعة الضيقة جدا بين الضلع الأول قبل الميلاد تضيق ثم تضيق حتى تتلاشى أو تختبئ... جاءوا من هناك يحملون السيوف والخناجر وصكوكا قالوا إنها باسم الله.. انزلوا الستائر على الشمس ليخبئوا عورتها، راحوا يطاردون القمر حتى لا ينير ليل العاشقين.. نبشوا القلوب والنوايا هنا تختبئ الخطيئة.. هنا.. نعم هنا حيث الأعمال بالنيات.. يكرر الصوت السامع «الأعمال بالنيات» لكم أيضا وليست فقط للحالمين مثلنا ومثل أولئك الذين أرسلوا أنهار الدمع الدافئ فى ذكرى الرحيل والغياب.. دهنوا الهواء والسماء والأرض باسود قاتم فكل ما هو غيره حرام! انتهى المشهد الأول، حمل البعض أشلاء الحلم والأمل وخبأها من جديد هذه المرة بين دقة القلب والأخرى، هناك لا مساحة للسواد أو الظلمة فالقلب منارة الروح... كلما حاصروها، كلما لبست ثوبا جديدا وراحت تراقص الأمل تارة على أنغام ليلى مراد «أنا قلبى دليلى» وأخرى على صوت ناتجن كول وبينهما تغرد فيروز حيث ترسم بصوتها صورا لجبال ووديان وحقول على مد البصر.. هو الجمال النقى المقدس فى مقابل القبح يغلفونه مرة باسمه ومرات باسم التخويف من نيران الآخرة!
كانت الشمس شاهدة منذ سنين على تعليب الفكر المفصل فوق رمال الصحراء، المبعوث بلون الدولارات الأخضر الوحيد وسط كومة من السواد، بل هى أكوام من القتامة. يرتحل الفكر فشرطة الأفكار لا تصادر هذه باسم الدين والرسل فيما تنبش الأدمغة القادمة من كل مساحات ألوان الطيف، تبحث عن كلمة هنا أو فكرة هناك أو أمل أو حتى حلم. ففى تلك الكثبان الصحراوية حيث تأتى الأفكار المعلبة فى الكتب السماوية توئد الأحلام وينحر الأمل ويجلد الضحك مائة جلدة خاصة ضحك النساء لأن فيه عورة! من يحلم منكم فليس منا، هذا هو شعارهم الذى صدر ليرتحل فى حقائب سفر القادمين نفس تلك الحقائب التى تحمل الحبة الزرقاء ورزم المال وبعضا من الكذب المغلف بالنفاق!
●●●
أن تضيق أحلامنا شيئا فشيئا بعد أن كانت باتساع السماء والأرض معا هذا ما يريدون.. أن نردد «لا أمل بعد اليوم» هذا ما يعملون عليه.. أن نخاف أو نصاب بالاكتئاب المرضى وليس المجازى وأن نقف طوابير أمام عيادات الأطباء النفسانيين نعيد عليهم فى الغرف المغلقة الحلم الذى كان وانتهى، هذه أيضا غايتهم.. أن نبحث بين دفئ الشمس وسحر القمر عن أيامنا التى كانت، عن الضحك والغناء والمشاركة والحب وعشق الوطن الذى كان وفى غفلة ونحن منتشون بالانتصار الأول سرقوه منا.. البسوه عباءتهم المنسوجة خيطا خيطا من رمل الصحراء، اسدلوا الستائر على الرءوس والوجوه.. أمعنوا فى تقليصه إلى مجرد وطن كان.. كل هذا ما يريدون.. فهل نقف كالمتفرجين على سارقى الأحلام والأوطان؟ أم نستمر فى الحلم حتى آخر رعشة؟