كتلة تاريخية قبل فوات الأوان
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 16 مايو 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لم يكن أحد من السَّذاجة بمكان ليعتقد بأن مسار الثورات والحراكات العربية سيكون معبَّدا أو سهلا. وقد أكَّدت الكثير من الكتابات والمناقشات الرَّصينة بأن الحراكات السياسية التاريخية الكبرى تحتاج لعقود من الزمن حتى تنضج وتستقر فى توازن معقول. لكن تلك الحتمية التى أثبت صحتها مسار التاريخ البشرى ليست حتمية اعتباطية بدون شروط. كانت مسارات الثورات فى التاريخ تقتضى وجود شروطها الخاصة بها تبعا للظروف والإمكانات والعوائق.
●●●
اعتمادا على ماسبق دعنا ننظر إلى ثورات وحراكات الربيع العربى كما هى وكما ينبغى لها أن تكون.
خلال أكثر من عامين، منذ إطلالة الألق الربيعى التونسى وما تبعه فى الحال من حراك ثورى عارم مبهر فى مصر الكنانة، ومن ثمَّ انتشاره فى الوطن الكبير، دخل مسار الربيع العربى الواعد فى الحال فى ثلاث إشكاليات:
الإشكالية الأولى: فى وجود قوى خارجية متعدٍّدة الأطراف ومتعاونة إلى أبعد الحدود فيما بينها تضاد الثورات أو تحاول تطويعها لتكون ثورات رخوة متردّدة، وبالتالى قابلة للانحراف والغواية.
الإشكالية الثانية: هى فى الدخول المفاجئ للمال البترولى العربى فى محاولة للسيطرة على مسار ما بعد الثورات من خلال دعم هائل لتوجهات ولجهات لا تمتُ بأية صلة لمبادئ وأهداف ومنهجية الثورات. إن نظرة على ماجرى وما يجرى فى مجتمعات مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا كأمثلة تظهر التأثير السَّلبى لهذا المال فى خلط أوراق مسارات ما بعد الثورات وادخالها فى الصّراعات الدينية والطائفية وفى مماحكات الهوامش الفقهية والفكرية.
الإشكالة الثالثة، وهى أهم وأخطر الإشكاليات، تتمثل فى مجموعة من نقاط الضعف المجتمعى، بدءا باستفادة سياسية انتهازية لنتائج ونجاحات الثورات من قبل قوى لم تقم فى الأصل بالثورات، وانتهاء بفشل شباب الثورات فى تكوين مشروع سياسى وتيار نضالى مشترك لتيسير وإنجاح المرحلة الانتقالية للثورات والحراكات إلى حين وصولها إلى بر الأمان الديمقراطى. لقد ارتكبت أخطاء وخطايا لا حصر لها ولا عد، وهى معروفة ولا تحتاج إلى إعادة تذكير بها.
نحن أمام إشكاليات ثلاث كبرى، ساحتها الأرض العربية كلها، ومصدرها قوى كثيرة متعددة عبر العالم كله. هذا بينما مواجهتها تتم على مستوى وطنى قطرى محلٍّى، وفى كثير من الأحيان فى مستوى فئوى محدود مضحك.
●●●
من هنا تأتى الأهمية القصوى لطرح شعار تواجد الكتلة التاريخية العربية كردّ على جبروت تلك الإشكاليات الثلاث. فالإشكاليات كبيرة والردّ عليها يجب أن يكون كبيرا أيضا.
لسنا هنا بصدد اختراع العجلة من جديد. ففكرة الكتلة التاريخية العربية، بأشكال عديدة من المسمُّيات، طرحت من قبل العديد من المفكٍّرين والنّاشطين السياسيين والمؤسسات القومية المؤمنة بالنضال العربى الواحد وبالمصير العربى المشترك والرافضة لعبثيّة تجزئة ذلك النضال وتقسيم ذلك المصير.
ومع خوفى الشديد وحذرى من ذكر الأسماء والجهات، تجنُبنا لعتاب هذا أو ذاك أو تجنُبا رفض هذه أو تلك، إلا أننى اعتقد أن أفضل من طرح حيثيات ومنهجيات هذا الموضوع هما مركز دراسات الوحدة العربية والمؤتمر القومى العربى. الأول طرح الموضوع على مستوى الفكر من خلال كتابات كثيرة فى مجلة «المستقبل العربى» وفى العديد من الكتب الفكرية السياسية التى قام بنشرها، وفى مقدٍّمتها كتب المفكر الراحل محمد عابد الجابرى كمثل.
إما الثانى فمن خلال مناقشات عدة فى مؤتمراته السنوية لمشاريع تتعلق بتكوين تلك الكتلة، تحت مسميات من أمثال «الجامعة الشعبية العربية» أو «البرلمان العربى» أو «جامعة الشعوب العربية» إلخ، وهى مشاريع قدَّمها ودافع عنها إخوة زملاء فى المؤتمر القومى، ومن أبرزهم علاء الدين الأعرجى وعصام نعمان ومعن بشور على سبيل المثال. ويستطيع القارئ العودة إلى الكتب الدورية عن المؤتمر القومى، التى يصدرها مركز دراسات الوحدة العربية، ليجد تفاصيل المقترحات وردود أفعال الكثيرين تجاهها.
لكننى أريد أن أشير إلى دراسة متمّيزة تفصيلية عن الموضوع تحت عنوان «نحو خطة عمل لإنشاء جامعة شعبية عربية»، نشرت مؤخرا فى مجلة «المستقبل العربى»، العدد 410، بقلم الأخ علاء الدين الأعرجى. إن التفاصيل المقترحة التى جاءت فى هذه الدراسة تجيب عن الكثير من الأسئلة المطروحة.
●●●
حسنا، إذن هناك حاجة ملحّة لطرح هذا الموضوع كجزء من محاولات تيسير وتجويد مسار المرحلة الانتقالية لثورات وحراكات الربيع العربى. والسؤال: من سيقوم بهذه المهمة؟
فى اعتقادى أن المؤتمر القومى العربى والمؤتمر القومى ــ الإسلامى ومؤتمر الأحزاب العربية يجب أن يدعو إلى اجتماع تأسيسى أو أولى يحضره مندوبون عن تجمعات شباب الثورات والحراكات وعن بعض الاتحادات العربية وعن بعض مؤسسات المجتمع المدنى بأطيافها المختلفة، إضافة لبعض المستقلين العاملين فى الشأن العام، وذلك لدراسة الموضوع. اجتماع المؤتمر القومى فى القاهرة فى الشهر المقبل يمكن أن يبدأ بحرف ألف فى أبجدية المسار الطويل.
الشيطان سيكون فى التفاصيل، لكن قيام كتلة تاريخية عربية أصبح ضرورة قصوى قبل أن تدخل الأمة العربية فى حالة اللا توازن السياسى للمرة الرابعة، عبر قرنين من الزمن، وتضيع فرصة تاريخية تحتاج إلى تعامل تاريخى.
مفكر عربى من البحرين