جولة ترامب.. ودور مصر!
خالد سيد أحمد
آخر تحديث:
الجمعة 16 مايو 2025 - 9:23 م
بتوقيت القاهرة
عاد إلى السطح مجددا حديث ذو شجون عن تراجع دور ومكانة وتأثير مصر فى محيطها الإقليمى، إثر جولة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى المنطقة، والتى اقتصرت على ثلاث دول خليجية، هى السعودية وقطر والإمارات.
هذا الحديث الذى دائما ما يتكرر فى أى حدث أو أزمة بالمنطقة يبدو فى ظاهره عفويا ومعبرا عن غيرة محمودة على دور ومكانة مصر، الدولة الأكبر فى المنطقة، لكنه أيضا يحمل فى طياته لدى بعض من يرددونه شحنات غضب سياسية وضغوطا اقتصادية هائلة، وتأثيرات اجتماعية قاسية، نتاج ما حدث خلال العشرية الأخيرة التى مرت بها البلاد.
هل يعنى ذلك أن دور مصر فى محيطها لم يتأثر؟ بالتأكيد لا.. فمصر الحالية ليست فى وهج وتأثير ودور مصر فى الستينيات، سواء فى محيطها العربى أو الإقليمى بل وحتى الدولى، لكن الحكم المطلق بأن هذا الدور انتهى أو تقزم، يحمل بلا شك قدرا من المبالغة، بل يشبه إلى حد كبير من يجتزئ نصا ويخرجه عن سياقه الحقيقى حتى يصل إلى النتائج الملائمة لتصوراته وأهدافه.
إذا أردنا الحكم على هذا الدور وتأثيره خلال السنوات الأخيرة، فينبغى القول إنه لم يكن على وتيرة واحدة، حيث إنه خلال أزمات وأحداث وتحديات كبيرة فى المنطقة، كان دور مصر هادئا ومتحفظا وربما متأخرا فى الفعل بعض الشىء، لكنه فى أزمات وتحديات أخرى لا تقل أهمية أو خطورة كان حاضرا وواضحا ومعبرا عن مواقف قوية أكثر من أى طرف آخر فى المنطقة، مثل أزمة حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، حيث رفض بحزم منذ البداية مخططات تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وأكد بوضوح على الوقوف ضد محاولات تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، رغم الضغوط والتهديدات والإغراءات سواء من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ثم ما الذى أحدثته زيارة ترامب للدول العربية الثلاث من اختراق أو تقدم فى حل القضايا والأزمات الساخنة بالمنطقة لنبرهن على تراجع دور وتأثير ومكانة مصر؟ لم يحدث شىء على الإطلاق.. فالرئيس الأمريكى جاء فقط ليبرم صفقات قياسية بمئات المليارات من الدولارات تعزز اقتصاد بلاده ورفاهية مواطنيه، الذين تأثروا بقراراته الحادة والمتضاربة خلال المائة يوم الأولى من فترة حكمه الثانية، كما أنه لم يعلن خلال زيارته عن مبادرة لوقف حرب الإبادة فى غزة، بل عاد فى تصريحاته إلى ترديد حديثه السابق عن السيطرة على القطاع وتحويله إلى «منطقة للحرية»، وهو ما يعنى تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين وتحقيق حلم إسرائيل، وحتى إذا اعتبرنا مسألة رفعه للعقوبات عن سوريا اختراقا مهما فينبغى ذكر المقابل الذى يتوجب على دمشق دفعه، مثل التطبيع مع الكيان الصهيونى.
بوضوح أكثر.. كان يمكن لمصر أن تكون محطة رئيسية فى جولة ترامب بالمنطقة حال وافقت على مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.. كان يمكن أن تحظى قيادتها بمديح وثناء الرئيس الأمريكى حال موافقتها على مرور السفن الأمريكية من قناة السويس بدون دفع الرسوم.. كان يمكن أن يصفها ساكن البيت الأبيض بالدولة العربية الكبرى والمؤثرة حال مشاركتها فى ضرب اليمن، لكن كل ذلك لم يحدث لأنه يتعارض مع مصالحها الإستراتيجية.
على أى حال، ينبغى على مصر العمل أكثر على تعزيز مكانتها وتأثيرها فى محيطها الإقليمى، واستعادة الوهج لدورها فى المنطقة، بالتعبير بكل قوة ووضوح عن مواقفها وخطوطها الحمراء، لحماية مصالحها وأمنها القومى، وعدم التردد فى مواجهة التحديات التى تحيط بها من كل اتجاه، سواء بالطرق الدبلوماسية أو السياسية أو حتى العسكرية.
كذلك يجب عليها العمل على تمتين جبهتها الداخلية عبر المزيد من الانفتاح السياسى، وفتح المجال العام، وتطبيق قواعد الحكم الرشيد، ووقف شهية الاقتراض من الخارج، ومعالجة الأوضاع الصعبة التى يعانى منها المواطنون، جراء بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى اتخذتها الحكومة خلال السنوات الماضية، والعمل على تحقيق الرضا الشعبى الذى يعد العنصر الأبرز فى سبيل استعادة البلاد وهج الدور والتأثير.