الاتحاد ــ الإمارات: «هواوي» في بطرسبرج
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 16 يونيو 2019 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب «محمد عارف»، جاء فيه ما يلى:
«أرقى فنون الحرب هو أن تقهر عدوك دون قتال». قال ذلك قبل 2400 عام، العسكرى الصينى «صون تزو» فى كتابه «فن الحرب». ويُقرُّ بالقهر أدميرال البحرية الأمريكية «بيل أوينز» فى مقدمة كتاب «سرّ هواوى»، حيث يلخص سبب نقمة واشنطن على بكين بالسطور التالية: «لم تعد الولايات المتحدة قائدة العالم فى الاتصالات ومكوناتها. وحان وقت تخلى حكومات الغرب عن تاريخ الاتهامات ضد (هواوى) وردود الاتهامات، والتسليم بأن (هواوى) تملك التكنولوجيات التى تحتاجها أمريكا». و«أوينز» الذى شغل منصب نائب رئيس القوات المسلحة الأمريكية، ورأس «نورتيل»، وهى واحدة من أكبر ثلاث شركات اتصالات أمريكية، يحثُّ واشنطن على التعلم من أسلوب الشركة الصينية: «فى بحثنا عن مقاربات جديدة فى هذا العالم، الذى لا يمكن التنبؤ به، علينا تأمل هذه الشركة التى يملكها العاملون فيها، ورئيسها المتواضع، الذى أسسها، وفلسفتها المختلفة».
وإذا كان الذكاء وحده، من دون الحكمة، دليلنا لفهم «هواوي» والصين فلن نفهمهما. وهذه مشكلة واشنطن «الذكية» التى لا تستطيع، وبالأحرى لا تريد أن تفهم. والحكمة المرحة سادت «منتدى بطرسبرغ الاقتصادى الدولى» فى الأسبوع الماضى، والذى حضره ممثلو 140 دولة، ونحو 5 آلاف صحفى، وفيه أعلن الزعيم الصينى «شى جينبينغ» عن استعداد بلاده للمشاركة فى تكنولوجيا 5G التى طوّرتها «هواوى». وثارت عاصفة من التصفيق والضحك، عندما سئل الزعيم الصينى عن نتيجة الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، فقال: «ربما تكون الإجابة بين الأوراق التى فى يدي»! واستشهد بحكمة صينية تقول: «إذا كنت غير سعيد بالقمل فى معطفك الفرو فلا ينبغى لك أن ترميه فى الفرن». والمعطف هو العولمة التى تخلت عنها واشنطن واحتضنتها الصين وروسيا.
والصين فتحت أبوابها، فيما فرضت واشنطن على «جوجل» و«فيسبوك» وقف علاقاتهما مع الصين. وهذا بمثابة «الستار الحديدي» حسب «نيويورك تايمز». وحذّرت «جوجل» من عواقب أمنية وخيمة قد تلحِقُها القيودُ الأمريكية على الصين، والتى ستضطر «هواوي» إلى تطوير نظام تشغيل خاص بها. ولم تنتظر «هواوي» أن تدرجها وزارة التجارية الأمريكية فى القائمة السوداء، فالنظام البديل الذى تطوره ستطلقه فى الخريف القادم. ومراسيم الاتفاق على المشاركة فى تطوير 5G بين بكين وموسكو أهم حدث فى منتدى «بطرسبرغ» الذى شاركت فيه 1300 شركة أجنبية و2500 روسية، وحقق الرقم القياسى فى عدد الصفقات: 650 صفقة بقيمة 46 مليار دولار.
وليس مصادفةً أن تكون الصين الشيوعية، السبّاقة فى تطوير 5G الذى يحدث ثورةً فى قوى وعلاقات الإنتاج على حد سواء، والتى توقعها الفيلسوف «ماركس» المرفوعة صوره فى الميادين العامة بالصين. فالجيل الرابع وضع فى أيدينا هواتف ذكية، تقوم بمهام الاتصالات ومعالجة المعلومات، وأتاح لأكثر من مليار شخص مجانيةَ تبادل رسائل مدوّنة وصوتية عبر «فيسبوك» و«واتس آب» وغيرهما. فما الذى يهبنا الجيل الخامس، الذى تبلغ سرعته حسب تجارب «كوالكوم» 20 ضعفا على الأقل؟ يجيب على السؤال تغير العلاقات الدولية، حيث طالب مسئولون أوروبيون واشنطن بتقديم معلومات تبرهن على أن حكومة بكين تستخدم أجهزة «هواوي» للتجسس، والتى تعتمد عليها شبكات اتصالات لاسلكية أوروبية كبيرة، بينها «فودافون» و«دويتشه تيليكوم»، وتغييرها يؤخر إدخال الجيل الجديد من الاتصالات، فى الهواتف الذكية وعشرات الأجهزة التى تدخُل جميعَ مجالات الحياة، من الألعاب، و«الروبوتات» المستخدمة فى أعمال الإنقاذ فى مواقع يستحيل على عمليات الإسعاف بلوغها، والعربات ذاتية الحركة، والعلاج الطبى من بعيد، والتشغيل الآلى للمصانع، و«العقل الاصطناعي»، و«إنترنت الأشياء» الذى يجعل جميع الأجهزة الإلكترونية (من الطائرات إلى المعدات المنزلية) تتواصل فيما بينها، وتنظم عملها ذاتيا.
إن الجيل الخامس، وباختصار، يجعل الواقع الافتراضى أكثر واقعية، والعقل الاصطناعى أكثر عقلانية، والبشر الآليين أكثر بشرية.