إلى متى سنظل دمية فى يدهم؟
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 16 يوليه 2025 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
منذ أكثر من قرن والعرب ليسوا أكثر من دمية فى يد بعض أو كل القوى الاستعمارية الغربية، تقرّر أنواع كياناتهم ومقدار المسموح به من استقلالهم الوطنى والقومى وطبيعة الأيديولوجية السياسية والاقتصادية التى يطمحون أن يطبقوها فى واقعهم.
اليوم انتقلوا إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير. فهم يقررون ما هو مسموح به من أحزاب، يوافقون على وجود هذه ويصرّون على زوال تلك. فالأحزاب ملكهم وليس ملك المواطنين العرب الذين كافحوا سنين من أجل إنشائها. وهم يقررون نوع الأسس والممارسات الديموقراطية المسموح بتواجدها فى هذا القطر أو ذاك. وهم فى هذه اللحظة يقررون مصير الجامعة العربية التى بالنسبة لهم لا تضمّ دولا يرغبون فى أن تكون من ضمن أعضائها، ولذلك يتحدّثون عن بناء تكتل إقليمى آخر يضمّ على الأخص الكيان الصهيونى. وهم يقررون الحدود الجديدة لأى قطر عربى يشاءون، مثلما يفعلون فى هذه اللحظة بالنسبة لسوريا والسودان ولبنان والعراق واليمن والأردن وليبيا على سبيل المثال. وهم يناقشون فى هذه اللحظة ما سيسمح به أو ما لن يسمح به فى تفاصيل المناهج المدرسية العربية. وهم يضعون تعاريف جديدة لكلمات المقاومة والجهاد والتحرّر وكل كلمة لا تتلاءم مع أهدافهم الاستعمارية الحاضرة والمستقبلية.
وبالطبع فإن كل ذلك لن يؤدى فقط إلى رجوع الاستعمار السياسى والعسكرى والاقتصادى والثقافى الغربى إلى كل أرض العرب، بل، وبنفس الأهمية، سيؤدى إلى الإندماج الكامل للكيان الصهيونى فى الجسم العربى وسائر الحياة العربية اليومية المعيشية.
نحن إذن أمام وضع جديد خطر بكل معنى الكلمة مهما حاول البعض تبريره أو التخفيف من مخاطره الكبرى، ومهما حاول البعض أن يصفوه بأنه مشابه لكثير من أوضاع العالم الذى يعيشه اليوم. إذ لا توجد فى هذه اللحظة منطقة أخرى تواجه نفس الأوضاع الكارثية التى تواجهها الأمة العربية، ولا تواجهها بمثل المواجهة المتشرذمة الضعيفة الحائرة العربية.
سنكون مخطئين إن لم نواجه هذا الوضع بأمانة وصدق وعزيمة، غير منافقة وغير مخادعة للنفس، ومبنيّة فى الأساس على تضامن وتنسيق وتوحيد عربى فى شتى المجالات وعلى كل المستويات، ومن قبل سلطات الدول وأنظمتها من جهة ومؤسسات المجتمعات المدنية العربية من جهة أخرى.
لقد قلناها ونقولها للمرة الألف. هناك فى هذه اللحظة طريقان يحتاج العرب أن يسلكوهما. الأول قيام بعض الحكومات العربية باقتراح أن تقوم جامعة الدول العربية بالمبادرة لوضع استراتيجية إنقاذية تضامنية عربية قابلة للتفعيل فى الواقع الرسمى العربى، ومن ثم الواقع المجتمعى العربى. وتستطيع أن تستعين الجامعة ببعض المفكرين والمثقفين النشطين الملتزمين للمساعدة فى وضع تلك الاستراتيجية أو بمجموعة من مراكز البحوث العربية المشهود لها بالحيوية والالتزام القومى العروبى.
ما ستفعله الجامعة سيكون مماثلا لما فعلته فى الماضى عندما واجهت الأمة أوضاعا بالغة الصعوبة والتعقيد، وخصوصا فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وواجهت الاستعمار عند ذاك بقوة وعزيمة موحدة.
أما الطريق الثانى فهو عمل بعض قوى المجتمع المدنى العربى على تكوين كتلة شعبية تضامنية تنسيقية نضالية عربية من مجموعة كبيرة من المؤسسات المدنية العربية العاملة والنشطة فى شتى الأقطار العربية. وقد كتبنا عن ذلك الطريق عدة مرات، وهو مطروح منذ أكثر من ثلاثة عقود. ويستطيع ذلك التجمع العروبى النضالى أن يكون منطلقه الأساسى الشعارات الست التى رفعها المشروع النهضوى العربى.
هناك بالطبع تفاصيل كثيرة أخرى من أجل السير فى الطريقين لا يسمح المجال ومحدودية المقال الدخول فيها.
سينبرى البعض بوصف ما نقوله بأنه إعادة وتكرار لكلام قيل فى الماضى. لهؤلاء، الذين لا يقدمون أية حلول وكل ما يفعلونه هو الاستهزاء بأية قوى مناضلة ومقاومة ومتمردة، سنقول لهم بأن أرواح الملايين العرب الذين ماتوا عبر التاريخ فى سبيل حماية ونهضة أمتهم، ومقاومة أعدائها بكل أشكالهم وألوانهم، بأن أرواحهم يجب أن لا تذهب سُدى، وأن تكريمها هو السّير فى الطريق البطولى النضالى المقاوم الذى سارت تلك الأرواح فيه بكل شجاعة وتضحيات.
ما تحتاجه الأمة هو رفع المعنويات والتأكيد بأن مؤامرات الاستعماريين سيكون طريقها إلى مزابل التاريخ. أما كفاح الأمة فسيبقى فى سمو عليائه.
دعنا نتذكّر ما قاله ماركوس أوريليوس لنفسه فى القرن الثانى بعد الميلاد: «لا تضع بقية وقتك فى قلق بشأن الآخرين، إلا إذا كان له تأثير على الصالح العام».