رحلة حزب الله من ساحات الحرب فى سوريا إلى حقل الألغام السياسى فى لبنان
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأحد 16 سبتمبر 2018 - 10:40 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط مقالا للكاتب «على هاشم» عن عودة حزب الله اللبنانى إلى المشهد السياسى اللبنانى بعد عودته من ساحات الحرب السورية. وهل سيلتزم حزب الله بالقواعد السياسية الوطنية إذا كان بمقدوره أن يصبح لاعبا لبنانيا أساسيا.. أم أن اليد العليا فيه تبقى لأجندته الإقليمية؟».
الانخراط المبكّر لحزب الله فى الأزمة السورية
لم يكن نشر قوات حزب الله فى سوريا هو الأول من نوعه فى خارج لبنان، لكنه كان الأكبر. ففى أوائل التسعينيات، اشترك أكثر من 100 مقاتل من حزب الله فى الجهود التى قادتها إيران لتدريب المسلمين فى البوسنة. وقبل ذلك بعقد من الزمن، كان حزب الله منغمسا بعمق فى العراق غداة الغزو الأمريكى لذلك البلد العام 2003، حيث درّب الميليشيات الشيعية العراقية التى نفّذت هجمات ضد قوات الاحتلال الأمريكى. وقد توجّهت معظم هذه المجموعات العراقية بعد ذلك إلى سوريا للقتال إلى جانب حزب الله والحرس الثورى الإيرانى.
لكن الواقع أن حزب الله لم ينحز فورا إلى الخيار العسكرى فى سوريا، إذ حاول فى البداية إيجاد حل سياسى بمساعدة حركة حماس الفلسطينية الإسلامية. حيث تواسطت حماس فى العام 2012 مستفيدةً من علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، لمحاولة إبرام اتفاقية تقاسم للسلطة، بيد أن هذا الجهد تعثّر حين اشترطت الحكومة السورية أن تضع المعارضة سلاحا أولا. قام حزب الله بجهوده الأولية لإيجاد حل سياسى وهو يضع فى الاعتبار موقف إيران، التى كانت تُطل على الأزمة السورية بكونها تحدّيا لمواقعها الإقليمية.
ومن الجدير بالذكر أنه فى الذكرى السنوية الـ13 للانسحاب الإسرائيلى من جنوب لبنان، خطا نصر الله خطوة تصعيدية، حين أعلن أن سوريا هى معركتنا ونحن أهل لها، قبل أن يشدّد على أن الحكومة السورية «كانت ظهر المقاومة، والمقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدى فيما يتعرّض ظهرها إلى خطر القصم». وحينها، دخل انخراط لبنان فى الأزمة السورية فى مرحلة جديدة. نصر الله نفسه كان قد توقّع ذلك فى خطابه، حين دعا كل الأطراف إلى احترام الاستقرار فى لبنان، كما حثّ اللبنانيين على تسوية خلافاتهما فى سوريا لتجنيب لبنان مزيدا من العنف الطائفى.
حين تدخّل حزب الله فى سوريا العام 2013، كان هدفه الرئيس الحفاظ على الاستقرار فى لبنان، فى الوقت نفسه الذى كان يقاتل ضد ما يعتبره حربا وجودية على مرمى حجر من بلده. وهو اعتبر الحرب فى سوريا بمثابة تهديد كبير له، لأن الرئيس السورى بشار الأسد كان الحليف الإقليمى الأهم للحزب وإيران. هذا علاوة على أن سوريا هى المعبر الأساسى للمساعدات العسكرية الإيرانية لحزب الله، وواصلت لعب هذا الدور على الرغم من الضغوط الإقليمية والدولية عليها. وبالتالى، فإن الخوف من إطاحة حكومة الأسد، بما قد يتضمنه ذلك من قطع المساعدات، كان من شأنه ضعضعة الحزب فى لبنان وفى المنطقة الأوسع، وربما على نحو خطير. وهكذا محصلة كانت ستُجبر حزب الله على تبنّى مستقبل من دون أسلحة.
ارتفاع وتائر العنف
يضيف الكاتب أن تدخل حزب الله فى سوريا أثار زوبعة فى لبنان. فمعظم السنّة اللبنانيين دعموا المعارضة السورية، فيما ساند حزب الله حكومة الأسد، وهذا ما فاقم الشرخ الاستقطابى بين السنّة والشيعة. ثم إن العديد من اللبنانيين اعتبروا تدخل حزب الله فى سوريا خرقا لـ«إعلان بعبدا» الذى وَقّع فى يونيو 2012. وكان هدف هذا الإعلان النأى بلبنان عن النزاعات الإقليمية، لكن لم يكن له فى الواقع تأثير يُذكر على الأحزاب اللبنانية المُتورطة فى سوريا.
كما أدّت تداعيات العنف فى سوريا إلى إحياء مشاعر البغضاء فى مدينة طرابلس الشمالية اللبنانية، وإلى اندلاع جولات من القتال بين المُتشددين العلويين المؤيدين للأسد فى جبل محسن وبين المُتشددين السنّة الداعمين للتمرّد السورى فى حى باب التبانة المُجاور، فضلا عن وقوع سلسلة من التفجيرات الدموية فى لبنان. وصولا إلى منعطف جديد وأكثر سوءا فى أغسطس 2014، حين قام تنظيم الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتيا وجبهة النصرة بهجوم على مواقع الجيش اللبنانى فى سهل البقاع، وبالتحديد فى بلدة عرسال قرب الحدود السورية. قُتل أو خُطف فى هذا الهجوم جنود لبنانيون عدة، ثم أُطلق سراح بعضهم فى عملية تبادل أسرى مع جبهة النصرة. ولاحقا، تمّت استعادة جثامين جنود آخرين خطفهم تنظيم الدولة الإسلامية بعد عملية عسكرية فى أغسطس 2017، قاتل فيها الجيش اللبنانى، ومعه حزب الله ضمنا، جنبا إلى جنب.
تحديات بلورة أجندة محلية
وذكر الكاتب أن الانخراط المتزايد للحزب فى شئون الحوكمة المحلية قد يؤدى إلى تحوّل فى أهدافه. فبعد عقود من التركيز على المسائل الأمنية ــ كالتصدّى إلى التهديدات الإسرائيلية وإنقاذ الحكومة السورية من الانهيار، ومساعدة الفصائل العراقية ضد الولايات المتحدة أولا، ثم ضد تنظيم الدولة الإسلامية ثانيا ــ سيسعى حزب الله على الأرجح إلى تحسين خدمات الدولة، وتحقيق استقرار المالية العامة للحكومة، وتحفيز النمو فى المناطق، وقيادة دفّة الإصلاح الإدارى. وسيتعيّن على خطاب الحزب وكوادره التكيّف مع هذه المهام والأولويات الجديدة لتلبية توقّعات الناخبين.
ثمة مسألة مهمة أخرى تتمحور حول مدى قدرة حزب الله على صياغة سياسات اجتماعية واقتصادية، كفيلة بتلبية حاجات قاعدته الشعبية التى تتجاوز أعضاء الحزب وأسرهم. قد تكون هذه المهمة أصعب بكثير من الانخراط فى صراعات إقليمية، لأن الغاية من إنشاء حزب الله لم تكن صياغة مثل هذه السياسات، بل هو أُنشِئ على أساس رؤية إيديولوجية لم تتضمّن قط مقاربة محلية لمسائل اجتماعية واقتصادية، ناهيك عن بلورة رؤية مناسبة لدولة طائفية منقسمة كلبنان، حيث لا تشكّل أى طائفة أغلبية حقيقية.
بيد أن الوفاء بالوعود الانتخابية التى قطعها حزب الله، يثير معضلات خطيرة بالنسبة إليه. فمن جهة، سيجد حزب الله صعوبة فى صياغة نموذج حكم يلائم مقاييس التعقيدات اللبنانية. ولا تقتصر المسألة على ذلك، فالاندماج الأكبر للحزب داخل نظام الحكم فى لبنان، سيعنى التبنّى التام للعبة السياسية فى البلاد، مع ما يتضمنه ذلك من تسويات انتهازية، أى نوع من أنواع المراوغة والتحايل التى قد تجعل من الصعب الوفاء بوعد القضاء على الفساد. هنا يجد الحزب نفسه أساسا أمام أسئلة تتعلق بالتزامه الأكبر بالقضايا المحلية، من دون أن تتوافر لديه إجابات سهلة. ولمعالجة مثل هذه المسائل، قد يقرّر حزب الله الاستثمار بشكل أكبر فى صياغة السياسات، سواء من خلال تأسيس مراكز أبحاث السياسات أو توظيف متخصصين فى المجال.
ويتمحور سؤال شائك آخر فى ما تعنيه المحفظة المحلية المتوسعة للحزب بالنسبة إلى دوره الإقليمى. وسيواصل حزب الله مواجهة ضغوط بين أولوياته داخل البلاد وخارجها، طالما أن مشاركته فى الصراعات وأنشطته الأخرى فى جميع أنحاء الشرق الأوسط تؤثّر على مستوى معيشة قاعدته الانتخابية الشيعية. وتبقى الإجابة عما إذا كان الحزب يمتلك الحرية للحدّ من تدخّله فى الخارج والتركيز على مجتمعه المحلى، بعيدة كل البعد عن أن تكون أكيدة. فالبنية التأسيسية لحزب الله قد لا تسمح له بالتأقلم بنجاح مع مسائل الحوكمة المحلية أو حتى القضايا الطائفية. ونجد من الصعوبة أن نتخيّل تخلّى الحزب عن دوره الإقليمى، ما قد يؤثر على علاقاته مع الممولين الإيرانيين الرئيسين. وعلى الرغم من هذه التوترات، سيبقى مستقبل الحزب مرهونا إلى حدّ كبير بقدرته على الموازنة بين مطالب أجندته المحلية والخارجية. ومثل هذا التوازن يجب أن يتضمن تمكين حزب الله من الاحتفاظ بدعم الناخبين الشيعة المحليين، والحفاظ فى الوقت نفسه على علاقات استراتيجية مع طهران.
السياسات التوازنية لحزب الله
فى الواقع، ليست الخطوات التوازنية لحزب الله بالشيء الجديد تماما. يكفى أن نقارن كيفية عمل حزب الله فى الثمانينيات، حين كان مُستقلا بشكل كامل عن النظام السياسى اللبنانى، بالطريقة التى عمل بها فى التسعينيات، عندما قام بترشيح عناصر منه إلى البرلمان. وقد سمح هذا التطوّر تدريجيا لحزب الله باتخاذ قرارات أفضل استنادا إلى المعايير المحلية، وتجلّى ذلك فى سعى الحزب إلى التمتّع بشرعية أكبر داخل الدولة اللبنانية، على الرغم من شكوكه المتعلقة بالنظام السياسى للبلاد. ومنذ تسعينيات القرن المنصرم، تسارعت عملية إعادة التوجيه هذه نحو الشئون المحلية. وبالنظر إلى أن نوّاب حزب الله وحلفائه يحظون حاليا بالأغلبية، سيُولى الحزب على الأرجح أهمية أكبر للمشاغل المحلية اللبنانية، ولن يتخذ فى الوقت نفسه أو يسمح بأى إجراءات من شأنها تقويض الاستقرار المحلى.
يدرك حزب الله تمام الإدراك أنه، من دون وجود جبهة محلية قوية، لا يمكنه المضى قدما فى أجندته الإقليمية. لذا، يتعيّن على الحزب، إلى حدّ ما، مجابهة التحديات الداخلية الحسّاسة مع الأطراف السياسية اللبنانية الأخرى.
ويختتم الكاتب حديثه بأن حزب الله لسنوات طوال تعهّد لأنصاره بأنه سيفوز فى كل المعارك التى سيخوضها، وآخرها فى سوريا. لكن فى حالة لبنان، لا يقتصر اختبار حزب الله على البنادق والصواريخ، بل على مدى قدرته على عبور حقول الألغام السياسية.
النص الأصلي
الاقتباس
حين تدخَّل حزب الله فى سوريا العام 2013، كان هدفه الرئيس الحفاظ على الاستقرار فى لبنان، فى الوقت نفسه الذى كان يقاتل ضد ما يعتبره حربا وجودية على مرمى حجر من بلده. وهو اعتبر الحرب فى سوريا بمثابة تهديد كبير له، لأن الرئيس السورى بشار الأسد كان الحليف الإقليمى الأهم للحزب وإيران