مسمار جحا

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 16 سبتمبر 2022 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

عشرون من يونية 1952 هو عرض فيلم «مسمار حجا» الذى كتب قصته على أحمد باكثير، وكتب له السيناريو والحوار أبو السعود الإبيارى وقام ببطولته عباس فارس وزكى رستم وشهرزاد وكمال الشناوى وإسماعيل يس، وهذا التاريخ يعنى أننا أمام فيلم وطنى سياسى ينتمى تماما إلى العصر الملكى الذى انهار بقيام ثورة يوليو، أى أن كل الأفكار التى ناقشها الفيلم تنسب إلى هذه الفترة، بما يعنى أن السينمائيين المصريين قد استخدموا أفلامهم لمناهضة الاحتلال وطالبوه بإزاحة عن مصر، والفيلم يستحق الكثير من الكلام لكننا سوف نجوز لذلك بالرجوع إلى كتاب ضخم المسمى «نوادر جحا»، وهو يضم جميع ما يحكى عن جحا والنوادر خاصة الحقيقى منها أم المبتكر، فمن الصعب على أى كاتب أن يكون كتابة عمل روائى أو مسرحى مأخوذ عن نادرة واحدة ولكن فى كل الأعمال التى شاهدناها عن جحا، فإن هناك تجميعا لأشهر النوادر ووضعها معا، والكاتب الماهر هو الذى يجعلك تشعر بوحدة النص، والغريب فى الفيلم هنا أن أبو السعودى الإبيارى لم يكتب أبدا فيلما مأخوذا عن نصوص أدبية مصرية ولذلك فإن التركيبة المطلوبة تحتاج إلى مراجعة نص مسرحية باكثير.
الفيلم يتحدث عن جحا لعالمه الذى أقرب إلى الاستغراب، وهو هنا قاضى القضاة فى تاريخ العربى يعيش حياة بسيطة مع زوجته السليطة طويلة اللسان التى لا تعرف مقداره ومع ابنه وابنته، جحا هذا قاضٍ عادل يصطدم مع الحاكم ويعزله عن وظيفته، وكم هو بائس ذلك القاضى الذى يتم فصله عن عمله ويفشل فى إيجاد مهنة بديلة حتى وإن كانت وضيعة ويلجأ إلى ابن أخيه حماد الذى يحب ابنته كى يشاركه فى ملكية الأرض وإدارتها، والفيلم كما أشرنا يحكى عن مجموعة منفصلة من نوادر جحا ثم يتوقف فى الدقائق الأخيرة من الأحداث عن ما يسمى مسمار جحا؛ حيث يكون حماد ببيع منزله إلى شخص تابع للحاكم ويشترط أن تكون له فى البيت المباع أحقية الانتفاع بمسمار فى الحائط، ما يعكر صفو الملك الجديد.
فى الفيلم هناك حاكم وهو يرمز بشكل واضح إلى الاستعمار البريطانى الذى كان يجثم على الوطن منذ سبعين عاما، ففى هناك إشارة واضحة فى الفيلم، وفى الوقت الذى يعزل فيه الحاكم «المستعمر» جحا فإن السلطان المقصود به الملك هو الذى يؤمن بجحا وحكمته وهو الذى يعيد القاضى إلى منصبه فى مواجهة صريحة بين الطرفين، ما يعنى أن قيام القيادة المصرية بمطالبة المستعمر الإجلاء عن مصر كان هاجسا سائدا يوم عرض الفيلم فى التاريخ الذى ذكرناه فإن السينما قد خصصت لهذا الأمر فيلما كاملا مصاغا فى إطار كوميدى يدخل إلى قلوب الناس؛ بالإضافة إلى المفاوضات، لكن الأمر سوف يظل معلقا، ونحن نعرف بقية الأحداث فى التاريخ ذلك التاريخ الذى بدأ بعد شهر واحد فقط من عرض الفيلم، أى أننا لو كتبنا عن هذا الفيلم فى إحدى الصحف يوم تاريخ عرضه لاختلفت الكتابة تماما عما نكتبه اليوم ونحن نكتشف هذا الفيلم فلا شك أننا أمام فيلم سياسى وطنى من خلال قيام السلطان بإلغاء المعاهدة مع المستعمر ومناصرة جحا وإعادته إلى منصبه ولا شك أن هناك علاقة ما بين الجراد الذى أكل الأرض وبين المحتل الذى دس بين أفراد الشعب من يبلغه بأخبار الراعية ويحاول كشف بواطن ضعف جحا، وقد امتلأ النص بالكثير من الشخصيات التى تضافرت لأبعاد جحا عن وظيفته وأغلب هذه الشخصيات تفتقد للوطنية ماعدا حماد.
المشاهد المدقق لأحداث الفيلم يمكنه أن يفهم بسهولة أننا أمام أشلاء نوادر حاول الكاتب لمها ولكنه وضع أمام عينيه المسألة الوطنية التى عان منها المصريون، وقد جاء عرض هذا الفيلم بعد أشهر قليلة من حريق القاهرة وفى فترة بعينها كان هناك من يعمل من أجل تولى السلطة كما حكى لنا التاريخ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved