في وداع سليمان شفيق
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
رحل الكاتب الصحفى سليمان شفيق عن عالمنا، نعاه أصدقاؤه، ورفاق جيله، وتلاميذه، ومحبوه، ترك العالم دون أن تكون له خصومة مع أحد، حتى من اختلف معهم، أو اختلفوا معه، ظل على تواصل معهم.
سليمان شفيق، صحفى من المنيا، انضم إلى اليسار، حمل همومه، واشتباكاته، ومتاعبه. التصق بحزب التجمع، واقترب من الراحل الدكتور رفعت السعيد، وعمل صحفيًا بجريدة «الأهالى»، وعاصر تحولاتها، وكانت له تجربة صحفية لا تُنكر، فى مجال الثقافة والفن والسياسة، واستطاع أن يخلق «حالة» خاصة على صفحاتها من خلال الحوارات المهمة التى أجراها، والتى أثار بعضها جدلا ساخنًا فى الوسط الثقافى. وقد امتلك سليمان شفيق موهبة صحفية فذة، أهلته ليكون فى موقع صحفى مرموق، إلا أن ذلك لم يحدث لأسباب عديدة، ليس هذا فحسب، بل تميز بالخيال الواسع، الذى كان من الممكن أن يضعه فى مصاف أبرز الروائيين، إلا أنه لم يهتم بالكتابة الروائية إلا قليلا ومتأخرًا، كما كانت لديه ملكة الكتابة التحليلية، التى وضعته على مقربة من الباحث فى كثير من الأحيان أكثر من الصحفى، وقد كان واعيًا بالفرق بين هذا وذاك، واستطاع أن يكتب بلغة الصحفى، كما استطاع أن يكتب بلغة الباحث.
عمل لسنوات فى مركز «ابن خلدون» بجوار الراحل الدكتور سعد الدين إبراهيم، وطور كثيرًا نشرة «المجتمع المدنى»، وجعل منها مطبوعة سياسية مختلفة، وشارك فى معارك واشتباكات المركز فى التسعينيات، وأشهرها معركة مؤتمر الأقليات عام 1994، وأولى أهمية إلى ملف حقوق الإنسان، وارتبط بعدد من الشخصيات الحقوقية مثل الراحل المحامى أمير سالم. وفى مرحلة لاحقة، انخرط فى تجارب صحفية أخرى مثل «وطنى» و«البوابة»، وشارك فى أنشطة مدنية عديدة منها الأنشطة المكثفة التى كانت تنظمها لجنة الثقافة والإعلام بالأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية فى عهد الراحل الأستاذ جورج إسحق. وقد انتقل سليمان شفيق فى تجربته من اليسار الخالص إلى اليسار الذى له مسحة روحية، من خلال مشاركته فى خبرات دينية كاثوليكية وأرثوذكسية، واهتم بقضايا المواطنة، وما رافقها من كتابات، وأنشطة، ولجان، واجتماعات، وحوارات، تلاقى فيها فى الرأى مع البعض، واختلف معه آخرون، لكنه ظل متفاعلا ومؤثرًا ومتواصلا.
وقد تخطى سليمان شفيق فى تجربته حواجز كثيرة، عاش فى القاهرة، ولم ينس الصعيد، وبالأخص المنيا، ولم يكتف باليسار، بل انفتح على مجالات فكرية وثقافية متنوعة، ولم ينظر إلى الشأن الدينى من خارجه، بل تلامس معه من داخله، ولم يكن أسير مرحلته العمرية، بل كان له تفاعل كثيف مع جيل الوسط، والشباب، وتعلم على يديه كثيرون، وشجع كثيرين على الكتابة، منهم من أصبح من الكُتاب، وله إصدارات، رغم أن خلفيته الدراسية لم تكن تُنبئ بذلك، ولم يبخل على أحد بخبرته، وحرص أن يمد جسور الود، والتفاعل مع الآخرين، مباشرة أو عبر وسائل التواصل الإلكترونى، مٌتسلحًا بكتاباته النقدية، وخفة ظله، وظرف شخصيته، ومزايداته اللطيفة!
رحل سليمان شفيق عن عالمنا، وهو يُعبر عن مرحلة، امتدت وتشعبت، منذ أن ارتبط باليسار شابًا صغيرًا فى السبعينيات، ثم السفر للدراسة بالاتحاد السوفيتى، والعودة إلى ثلاثية الصحافة، والمجتمع المدنى، وحقوق الإنسان، ومن خلالها تفاعل مع مجتمع متغير، اختلفت أحواله، واضطربت مساراته على مدار العقود الماضية، وظل سليمان شفيق شأنه شأن كثيرين، يواجه هذا الواقع المتغير، بظروفه المتناقضة، وضغوطه الكثيرة، من خلال كتاباته، ومشاركاته، وتفاعلاته، ووده الموصول مع الناس إلى أن وهن الجسد، ولم يعد قادرًا على الاستمرار، ووجد نفسه أخيرًا على مقعد الغياب بعد أن رحل تباعًا العديد من الشخصيات التى ارتبط بها: زكى مراد، الذى سمى ابنه الوحيد على اسمه، ورفعت السعيد، وسعد الدين إبراهيم، ووليم سيدهم، وجورج إسحق. رحم الله سليمان شفيق.