لماذا اجتمع القادة العرب والمسلمون في الدوحة؟!

خالد أبو بكر
خالد أبو بكر

آخر تحديث: الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

انتهت قمة الدوحة الطارئة، التى جمعت قادة الدول العربية والإسلامية فى 15 سبتمبر، إلى بيان ختامى طويل بدا وكأنه موسوعة من «الإدانات» و«التأكيدات» و«الدعوات»، أكثر منه خطة عمل لمواجهة عدوان غير مسبوق استهدف عاصمة عربية، وهى الدوحة، بهجوم إسرائيلى مباشر على وفد حركة حماس المفاوض. ومع أن حجم الحضور واللغة الصارمة أعطيا الانطباع بجدية الموقف، فإن السؤال الذى يفرض نفسه هو: ماذا بعد كل هذه الكلمات؟

البيان جاء ثقيلاً فى لغته، ممتلئًا بعبارات «الرفض القاطع» و«التنديد الحازم» و«الدعوة العاجلة»، لكنه بقى فى الإطار الخطابى المألوف. فقد تضمن أكثر من عشرين بندًا، شملت دعمًا لقطر، والتشديد على سيادة الدول، والتحذير من التهديدات الإسرائيلية، بل وصل إلى حد الدعوة إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وتعليق تزويدها بالأسلحة. ومع ذلك، لم يخرج أى قرار عملى ملزم من القمة، لا على مستوى العقوبات، ولا على مستوى خفض التمثيل الدبلوماسى، ولا حتى فى الحد الأدنى: مقاطعة رمزية أو تهديد اقتصادى جماعى.

الأكثر دلالة أن المقترح المصرى، الذى تسرّب فى أروقة الاجتماعات حول تشكيل قوة عربية مشتركة، لم يجد طريقه إلى البيان. وهو ما يكشف أن العواصم المؤثرة، رغم نبرة الغضب، ليست مستعدة لتحويل التضامن اللفظى إلى فعل عسكرى أو أمنى، خشية من الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو من تعريض مصالحها الحيوية مع الغرب للخطر.

• • •

فى الوقت ذاته، أظهر البيان استمرار الانقسام العربى ــ الإسلامى حيال المرجعيات السياسية للقضية الفلسطينية؛ فتونس والعراق سجلا تحفظات علنية على ذكر «حل الدولتين» وحدود 1967، يريدان فلسطين من النهر إلى البحر، وهو ما أكد أن الخلاف حول المستقبل السياسى لفلسطين حاضر حتى فى لحظة التعرض لعدوان على دولة أخرى. هذه الهوة أضعفت الرسالة الجماعية، وجعلت البيان أقرب إلى وثيقة توازن بين مواقف متعارضة بدل أن يكون أداة ضغط حقيقية.

ومع أن القادة شددوا على «المساءلة الدولية» ودعوا إلى دعم أوامر المحكمة الجنائية الدولية وقرارات محكمة العدل الدولية، إلا أن الجميع يدرك أن هذه المسارات القضائية طويلة المدى، ولا يمكن أن توقف الغارات الجارية ولا الاجتياح البرى الذى بدأته إسرائيل فى غزة بعد ساعات من انتهاء القمة. فبينما كان القادة يقرأون فقرات البيان، كانت غزة تحت القصف الكثيف، والجيش الإسرائيلى يعلن بدء عملية عسكرية واسعة للسيطرة على المدينة، فى استعراض واضح لعدم اكتراث تل أبيب بما صدر عن قمة الدوحة.

على الجانب الآخر، يمكن القول إن القمة حققت هدفًا واحدًا: تثبيت الموقف الرمزى بالتضامن مع قطر. فقد جرى تأكيد أن العدوان على الدوحة هو عدوان على كل العواصم العربية والإسلامية. غير أن هذا التوصيف، مهما كانت قوته، يبقى عديم القيمة إن لم يتبعه فعل. فإسرائيل ستقرأ البيان على أنه تصعيد لغوى خالٍ من تكلفة حقيقية، وهو ما التقطته الصحف ووسائل الإعلام الغربية بسهولة.

• • •

إن السؤال الأكبر الذى تطرحه قمة الدوحة هو عن جدوى هذه الاجتماعات الطارئة إذا كانت نتيجتها تكرار بيانات محفوظة الصياغة. هل يمكن للقادة العرب والمسلمين أن يذهبوا أبعد من ذلك يومًا؟ هل يمكنهم مثلًا تفعيل قرارات العقوبات التى نصّ عليها البيان بالفعل؟ أو استخدام أدوات اقتصادية وجماعية للضغط، على غرار ما فعلته دول «أوبك» فى السبعينيات؟ حتى الآن، المؤشرات تقول إن الجواب سلبى.

ما جرى فى الدوحة يكشف عن مأزق مضاعف: فمن جهة، إسرائيل ماضية فى توسيع الحرب بلا قيد ولا رادع، تهاجم غزة وتضرب الدوحة وتلوّح بالمزيد. ومن جهة ثانية، العرب والمسلمون يجتمعون ويصدرون بيانات تتكرر منذ نصف قرن. الجديد الوحيد هذه المرة هو أن الهجوم استهدف قطر، أى استهدف وسيطًا أساسيًا، فى قلب عاصمة صديقة للغرب، وهو ما أعطى الانتهاك ثقلاً إضافيًا. لكن حتى مع هذا التصعيد النوعى، ظل الرد محصورًا فى الكلمات.

• • •

فى النهاية، القمة أوضحت أن النظام العربى ــ الإسلامى لم يزل عاجزًا عن الانتقال من دبلوماسية الإدانات إلى دبلوماسية الأفعال. وإسرائيل، التى استأنفت هجومها الكاسح على غزة صباح الثلاثاء الماضى، قرأت الرسالة بوضوح: بوسعها أن تفعل ما تشاء؛ لأن القمم ستكتفى دومًا ببيانات لا تكفى حتى لحفظ ماء الوجه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved