من البطل أحمد عبدالعزيز إلى لاظوغلى... 112 دقيقة فى حب مصر
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الإثنين 16 نوفمبر 2009 - 10:46 ص
بتوقيت القاهرة
«على هذه الأرض ما يستحق الحياة»..
على هذه الأرض شعب غريب وعجيب. ومن لم ير فرحة المصريين فى شوارع القاهرة عقب المباراة فقد فاته الكثير.
بالنسبة لى ولكثيرين كانت ليلة استثنائية بحق، عشت خلالها، 112 دقيقة من المتعة الصافية وسيرا على الأقدام من لحظة خروجى من مبنى جريدة «الشروق» فى شارع البطل أحمد عبدالعزيز بالمهندسين حتى عودتى إلى منزلى قرب ميدان لاظوغلى.
فى هذه الليلة رأيت مصر التى أحبها، مصر المختلفة المبتسمة.
أمام هيئة المصل واللقاح بالدقى كان التجمع الأكبر للبشر والسيارات، المستعد للتوجه إلى شارع جامعة الدول العربية كى يلتحم ببحر البشر هناك.
رأيت وكان برفقتى الصديق حمدى عبدالرحيم فتاة شابة تخرج من سيارتها، وتصعد إلى سقف السيارة، والصليب يتدلى من صدرها وعلم مصر يلتف على وسطها، وعلم آخر تلوح به بيدها وتهتف والجميع خلفها يهتفون، «مصر.. مصر».
رجال المرور اتخذوا قرارا غير مكتوب بالتخلى عن تطبيق القواعد.. وأمام أعينهم كانت الصواريخ والألعاب النارية تشق عنان السماء فى الجزء أمام شارع الثورة.
التساهل المرورى جعل صاحب «توك توك» يقرر خرق الحظر والسير فى شارع وزارة الزراعة متجها للمهندسين.
استمر المشهد متكررا حتى ميدان الدقى..
أسر بكاملها فى السيارات.. الشباب يركبون على مقدمة وخلفية السيارة، والجميع مبتسم وفرح ومتسامح.
فى الجلاء وأمام فندق شيراتون سد المحتفلون الشارع وافترشوا الأرض فى حلقات وبعضهم نام وكأنه مضرب عن الطعام.. بعض أصحاب السيارات كان يريد العودة لمنزله بسرعة، لكن أحدا لم يجرؤ على محاولة إفساد الفرح، فاستسلموا لقدرهم.
عند مدخل الأوبرا المواجه لكوبرى قصر النيل كان التجمع الأكبر، الآلاف يتحلقون أسفل التمثال، وفى الميدان، ولا تترك إلا مساحة حارة كى تمر السيارات.
شباب يقوم بأكروبات، وآخر يطبل وثالث يزمر، وفتيات ترقص، ولوحة مكتملة لم يفسدها شىء.
ميكروباص قادم من فيصل متجها إلى التحرير.. فجأة وجد السائق أكثر من عشرين شخصا فوق الميكروباص، أغلب الظن أن السائق فى الوقت العادى يضرب الركاب أنفسهم، لكنه ابتسم وسار ببطء كى يشارك فى الاحتفال.
كلما اقتربنا من ميدان التحرير كانت الحشود تزداد وفى المسافة بين فندق سميراميس وجامعة الدول العربية، حلقات، لا تقل كل واحدة عن مائة شخص، ولم يعكر الصفو سوى مشجع بذىء كان يوجه شتائمه للزمالك، سألته، ولماذا الزمالك؟ فلم ينطق!.
فى قلب ميدان التحرير فوجئت بمشهد لم أره منذ زمن طويل، الآلاف يملأون الميدان خصوصا فى الحديقة القريبة من المجمع. لواءات شرطة ترى الشباب يصعد فوق سقالات، وآخرون يسدون المرور.. لم يفعلوا شيئا سوى الابتسامات، فليس من الحكمة أن تفسد فرحة شعب يعانى من إحباطات مستمرة.
تركت ميدان التحرير متوجها إلى ميدان عابدين.. كانت الحشود تقل.. أولاد وبنات فى عمر الورد يضحكون من قلوبهم ويلعبون كرة القدم بعلب البيبسى الفارغة، مشهد كان لطيفا، لكنه لو كان فى وقت عادى لربما تم رجمهم فى الشارع.
فى هذه الليلة سقطت كل المحظورات فى شارع خيرت وقرب ميدان لاظوغلى التقيت سائق تاكسى.. قال لى إن أكثر ما أسعده هو تلقائية علاء مبارك وفرحه بالفوز.. سألته لماذا: فقال لأننى أحسست أنه صادق ولا يتصنع الفرح، ولا يلتف حوله المنافقون. سألت السائق مرة أخيرة، لماذا تفرح بهذا الشكل؟
قال لأن حياتى كلها بؤس وشقاء.
عدت إلى المنزل سعيدا، لأننى لأول مرة منذ زمن طويل أرى مصر التى فى خاطرى.. مصر التى أخذ فيها اللصوص والنصابون الفهلوية والفاسدون والمستبدون إجازة قصيرة بدأت قبل المباراة واستمرت حتى صبيحة اليوم التالى.