أمريكا والصين.. العلم والتكنولوجيا
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 16 ديسمبر 2017 - 9:44 م
بتوقيت القاهرة
في شهر نوفمبر الماضي زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين في زيارة أحدثت دويا في وكالات الأنباء في الصين وأمريكا خصوصا وفي العالم عموما، نظرا للعلاقة الخاصة التي تربط الصين بأمريكا وهي علاقة تتسم بالشد والجذب، ما يهمنا في هذا المقال هو العلاقة بينهما في المجال التكنولوجي والعلمي لأن من هذين المجالين يمكن السيطرة على باقي مجالات الحياة بسهولة، في أثناء هذه الزيارة ظهر الرئيس تراب على شاشة تليفزيونية موجها كلمة لمؤتمر تكنولوجي وكما أشار مقال في النيويورك تايمز (بتاريخ 3 ديسمبر 2017) تكلم ترامب بالإنجليزية لدقائق، ثم انتقل للحديث بالماندرين الصينية كما في هذا الفيديو!
لا تظن أن الرئيس الأمريكي يعرف الصينية ولكن ما ظهر على الشاشة كانت خدعة تكنولوجية من شركة صينية تسمى iFlyTek حللت نبرة صوت ترامب وتمكنت من إصدار صوته بالصينية! وهذه الحادثة هي بداية جيدة لمقالنا اليوم عن الحرب الباردة الحالية بين أمريكا والصين.
تكلمنا في مقال سابق عن الحرب الباردة بين أمريكا والصين وقلنا أن السباق المحموم بينهما يدور حول الوصول لسوبر كمبيوتر يسمى (exascale machine) لأنه مع وجود هذا الجهاز ستصل تطبيقات الذكاء الصناعي إلى مستويات غير مسبوقة وستصبح التجارب العلمية في مختلف العلوم (الفيزياء والكيمياء والطب.. إلخ) أكثر دقة وسرعة، ما سيجعل التقدم العلمي أسرع بكثير من الوقت الحالي هذا بالإضافة إلى التجارب العسكرية لتصنيع وتوجيه الأسلحة وتحليل البيانات.. إذا أردنا تلخيص ذلك لقلنا أن الوصول لهذا الجهاز يتجاوز في تأثيره الوصول للسلاح النووي أثناء الحرب العالمية الثانية.. الصين تمتلك حاليا أسرع كمبيوتر في العالم وهو المركز الذي خسرته أمريكا منذ العام 2012.. وبين الحين والآخر يظهر مقال هنا أو هناك يتحدث عن قرب وصول الصين لهذا الجهاز وأمريكا وضعت خطة للوصول وتصنيع هذا الجهاز مع حلول سنة 2021. فهل ستصل الصين أولا؟ أم أمريكا؟
عندما كنت طالبا كنت أسمع دائما عن أن الدول الآسيوية أكثر دقة ولكن لا يتمتعون بالخيال اللازم للإبداع، فأمريكا تبدع تصميما جديدا لجهاز ما مثلا ولكن اليابان تنتجه بجودة أفضل والصين بسعر أقل، لم أجد فرصة للتأكد من تلك المقولة بدقة ولكن وإن كان فيها شيء من الحقيقية فإن الواقع الآن يمكن أن نصفه بشيء آخر وهو أن أمريكا أفضل في العلم والصين منطلقة بقوة في التكنولوجيا وهي تطبيق العلم، الأمريكيون الحاصلون على جوائز نوبل (في العلوم) أو جوائز تيورينج (لعلوم الحاسب) أو ميدالية الفيلدز (للرياضيات) أكثر بكثير من الدول الآسيوية مجتمعة، التعليم ما قبل الجامعي (والذي يغذي سوق العمل) أفضل في الصين من أمريكا ولكن أمريكا أفضل بكثير في الدراسات العليا وخاصة الدكتوراه (وهو ما يغذي معامل الأبحاث والمراكز الأكاديمية).. أقول وإن كانت هي الحقيقية على الأرض فإن هذه الحقيقة تتغير ببطء ولكن بثبات.. كيف؟
إذا ذهبت إلى أية جامعة في أمريكا ستجد أن أغلب طلاب الدراسات العليا من الصينيين والهنود، إذا فالصين تتعلم العلم في أمريكا ثم تتطبقه بفاعلية كبيرة في بلدها حتى ترتقي بالتكنولوجيا والتعليم العالي عندها فجامعة مثل تشينجوا الصينية تعتبر من أقوى جامعات العالم، طبعاً ليست في قوة الجامعات الأمريكية الأوائل في التصنيف في الدراسات العليا ولكنها تقترب بخطى حثيثة.. هذا عن التعليم فماذا عن التكنولوجيا؟
قوة الصين التكنولوجية تأتي من عدة عوامل: أولا الأيدي العاملة الرخيصة جدا بالمقارنة بالأيدي العاملة في أغلب دول العالم، ثانيا توفر هذه الأيدي العاملة بكثرة نتيجة للعدد الكبير من السكان، ثالثا استطاعت الصين توظيف هذا العدد الكبير توظيفا جيدا جدا فعدد السكان الكبير يكون نقمة أو نعمة حسب كيفية إدارته، السبب الرابع وهو الأهم وهو سبب مؤسف! في أمريكا توجد قيود شديدة ضد انتهاك الحريات الشخصية للأفراد، هذه القيود ليست بنفس القوة في الصين فشركة مثل iFlyTek التي تكلمنا عنها في بداية المقال على علاقة وثيقة بالحكومة الصينية وبالتالي عندها معين لا ينضب من تسجيلات أصوات (من شركات الاتصالات) لتدريب برامجها للذكاء الصناعي في التعرف على الأصوات والوجوه.. إلخ، حسب مقال النيويورك تايمز الذي أشرنا إليه، سنرى في السنين القادمة حربا تكنولوجية بين أمريكا والصين. أمريكا متفوقة في العلم ولكن الحرب سجال في التكنولوجيا.
ماذا نتعلم من ذلك في مصر؟ أولا يجب استغلال كل من حصَّل علما جيدا في الداخل والخارج، نحتاج جميع العقول، كلها، ثانيا يمكن أن نختار عدة أفرع من العلوم والتكنولوجيا ونركز جهودنا عليها على الأقل في الوقت الحالي ثم نتوسع. الصين اختارت الذكاء الصناعي وأجهزة الكمبيوتر الفائقة السرعة وأعتقد أننا يمكن أن نختار نفس هذا الاختيار نحن أيضا.. ولنكن واقعيين في أهدافنا في البداية ثم نتقدم ثم تكبر الأهداف.. بالعلم والتكنولوجيا تتقدم الأمم وتقوى.. أي بالتعليم كخطوة أولي.