واشنطن ومعضلة سلاح سوريا الكيميائى
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الأحد 18 مارس 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
على العكس من الحالة المصرية، لا تمثل سوريا أزمة حقيقية تؤرق واضعى السياسة الخارجية الأمريكية، فسوريا ليست مصر من حيث ارتباطها المباشر بالمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، ولا توجد علاقات عسكرية ــ عسكرية متينة بينهما. وسوريا ليست مصر ذات الثقل السكانى والثقافى والإقليمى والعسكرى. أيضا سوريا ليست إيران، فلا تمثل دمشق تهديدا لأى من مصالح واشنطن الحقيقية بالمنطقة، ولا هى بأهمية ووزن إيران ونفوذها فى العراق، ولا حتى لبنان.
إلا أن ذلك لم يمنع الاهتمام الأمريكى بالملف السورى، ولطالما كان الاستقرار داخل سوريا هدفا لواشنطن بسبب ارتباط سوريا بملفات إقليمية مهمة مثل الاستقرار على صعيد الجبهة السورية الإسرائيلية، وملف عملية سلام الشرق الأوسط. الوضع فى لبنان، والعراق، والدور الإقليمى لتركيا، إضافة لعلاقات التحالف الخاصة بين دمشق وطهران يعطى الأزمة السورية بعض الزخم، إلا أنها ليست أزمة أمريكية حقيقية.
إلا أن تزايد احتمالات سقوط نظام الرئيس بشار الأسد بعد استمرار الثورة لأكثر من عام كامل، وفى ظل عدم انتهاء التظاهرات اليومية وتزايد العنف من قبل قوى النظام، ووقوع المزيد من الضحايا الذين وصل عددهم لما يقترب من 10 آلاف شخص، تزداد المخاوف لدى صانعى القرار فى واشنطن على مصير ترسانة السلاح الكيميائى والبيولوجى السورى. ويمثل سيناريو تهريب هذه الأسلحة، ووسائل استخدامها إلى داخل لبنان وتحديدا إلى يد حزب الله، أو إلى قطاع غزة، وتحديدا ليد تنظيم حماس أو الجماعات الفلسطينية الأكثر راديكالية، كابوسا حقيقيا للولايات المتحدة. وترتبط هذه المخاوف كذلك باختفاء ما يقرب من 5000 صاروخ متطور يحمل على الكتف من مخازن الأسلحة الليبية عقب سقوط نظام معمر القذافى والتى قد يكون وصل بالفعل جزء منها إلى لبنان أو قطاع غزة.
ويعتقد على نطاق كبير فى واشنطن أن هناك خططا أمريكية محكمة وضعت للاستيلاء على ترسانة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية السورية حال وصول التدهور الأمنى داخل سوريا إلى درجة لا تحتمل الشك حول حتمية سقوط النظام. وتتحدث بعض التقارير عن مشاركة أجهزة المخابرات التركية والإسرائيلية فى وضع هذه الخطط.
تدرك واشنطن أن نظام الأسد سيبقى صامدا لبعض الوقت بسبب قوة جيشه بالنسبة لقوة معارضيه. ولم يقع نظام الرئيس الأسد، الأب حافظ، والابن بشار، فى خطأ الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك، إذ سيطر أولاد الأسد على الجيش بصورة مباشرة، ولم يترك الأسد المؤسسة العسكرية فى أيد بعيدة عن أيدى عائلته. وساهم أسلوب الأسد الذى سلم قيادات الجيش فى كل فروعه إلى أيدى ضباط من الطائفة العلوية فى عدم انقلاب الجيش عليه بعد بدء الثورة الشعبية كما حدث مع الرئيس السابق مبارك.
كذلك تدرك واشنطن جيدا الضعف والانقسام الذى تعانى منه فصائل المعارضة السورية. وتعلم واشنطن من خبراتها الأليمة فى العراق، عدم وجود تأييد شعبى لمن يرجع على ظهر دبابات خارجية.
تدخل أمريكى عسكرى مباشر فكرة غير مطروحة، على الأقل، حاليا نظرا لغياب المصلحة الأمريكية المباشرة، وقد أكد وزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا أمام مجلس الشيوخ منذ عدة أيام أن الولايات المتحدة كدولة قائدة لها مصالح متعددة فى الشرق الأوسط، وسوريا ليست استثناء، إلا أنه لا يوجد لدى واشنطن حل سهل أو سريع للأزمة السورية. كما أشار إلى أن «كل البدائل مطروحة للتعامل مع تداعيات الأوضاع فى سوريا، لكن علينا أن ندرك محدودية العمل العسكرى خصوصا إذا تطلب مشاركة قوات أمريكية فى حرب جديدة». أما وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون فترى أن ما تشهده سوريا حاليا هو بمثابة «حرب أهلية كاملة»، وأن التدخل الخارجى فى هذه الحالة لن يمنع هذه الحرب، بل «سيزيدها اشتعالا».
البدائل المطروحة للنقاش داخل واشنطن تتعلق ببديل دفاعى وآخر هجومى. يتعلق الدفاعى بإقامة مناطق عازلة لحماية من يلجأ إليها من السكان المدنيين، بحيث تشرف عليها وتحميها بصورة كبيرة الدولة التركية المجاورة.
البديل الهجومى يتمثل فى تسليح المعارضة السورية المتزايدة، والتى يمثل الجيش السورى الحر جناحها العسكرى.
ولا يمثل البديلان تدخلا أمريكيا عسكريا حقيقيا، البديل العسكرى الأمريكى المباشر ليس مطروحا بعد على النقاشات الجادة، وإن وجدت أصوات كثيرة من قادة المحافظين الجدد، هى نفس تلك الأصوات التى روجت لغزو العراق، تدعو للتدخل الأمريكى العسكرى المباشر من اجل تغيير نظام الأسد.
إلا أن استراتيجية إدارة باراك أوباما، والتى اعتمدت على انسحاب القوات الأمريكية من العراق بنهاية العام الماضى، والعمل على انسحاب أمريكى كامل من أفغانستان خلال عامين، تنأى بنفسها عن التورط فى حرب جديدة فى دولة إسلامية فى عام انتخابات.
لقد بنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة سياستها تجاه سوريا على أساس تسهيل محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل. ولم تهتم واشنطن بسجل النظام السورى فى مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات السياسية. وتدرك واشنطن أن نظام الأسد الابن مثله مثل نظام الأسد الأب، نظام حذر ضمن نوعا من الاستقرار طوال فترة حكمه، ولم يطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل منذ 1973.
لدى البعض مخاوف حقيقية لما بعد نظام الأسد، والخوف من ظهور جماعة «الإخوان المسلمين» السورية، على غرار ما حدث فى مصر، بما سيترتب عليه انتهاء الدولة العلمانية الحالية لصالح نظام سنى قد يمثل خطورة بالغة على المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
بديل الفوضى، أى أن يسود الاضطراب عقب سقوط نظام الأسد عن طريق عسكرة الانقسامات الطائفية العميقة فى سوريا قد لا يزعج واشنطن، وبالطبع لا يزعج إسرائيل. تهريب الأسلحة الكيميائية والبيولوجية السورية، أو لجوء نظام الأسد حال اضطرته الظروف لاستخدامها إن وجد نفسه إلى زوال، هو ما يقلق أمريكا والحليف الإسرائيلى.