«يهودا والسامرة» ويهود بريطانيا
أهداف سويف
آخر تحديث:
الأربعاء 17 أبريل 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى الأسابيع الماضية حدثان ضمن عملية الزحف الإسرائيلى المستمر على فلسطين والمقاومة الفلسطينية - والمتضامنة معها - لهذا الزحف. الحدث الأول: فى إطار زيارة الرئيس الأمريكى إلى إسرائيل فى ٢٠ مارس أعد «مجلس المجتمعات اليهودية فى يهودا والسامرة» - أى الهيئة المنظِّمة للمستوطنات التى يقيمها الإسرائيليون فى أراضى فلسطين المحتلة خرقا للقانون الدولى - والمعروف بـ «مجلس الييشا»، طبعة خاصة من كتيب من ٣٢ صفحة، عنوانه «يهودا والسامرة: يهودية، حيوية، واقعية» لإهدائه إلى أوباما. والكتيب يدعو بوضوح تام إلى ضم هذه الأراضى لإسرائيل، ويدلل على أهمية ذلك بالحجج والبراهين والإحصاءات والخرائط.
ويُرجع مجلس الييشا الأهمية الحيوية لضم الأراضى المحتلة إلى: متطلبات أمن إسرائيل، ضرورة انتصار إسرائيل فى الحرب على الإرهاب، ضرورة السيطرة على موارد المياه فى المنطقة، بدون ضم الضفة لا يمكن إتمام تهويد القدس. ويحصى المجلس ما استطاع المستوطنون إنشاءه حتى الآن فى الأراضى المحتلة فيقول: «٤ مدن، ١٣ مجلسا محليا، ١٥٠ مجتمعا (أى مستوطنة) يسكنها ثلاثمائة وستون ألف إسرائيلى ينتشرون فى ٢١٪ من كل الأراضى الواقعة غرب نهر الأردن، وتستعمل هذه المجتمعات ٣٪ من أرض يهودا والسامرة فى الجبال والوديان فيزرعون الكروم والزيتون والخضراوات والزهور النادرة فى اثنى عشر ألف فدان». ويستطرد فى وصف المنطقة مشيرا إلى أهميتها لدولة إسرائيل: «ترتفع الجبال هنا إلى ثلاثة آلاف وستين قدما فوق سطح البحر، ويرقد تحتها أكبر خزان للمياه الحلوة فى إسرائيل - خزان الجبل، الذى ينقسم إلى ثلاثة أحواض تمد دولة إسرائيل بـ ٥٠٪ من احتياجاتها من المياه. وفى يهودا والسامرة هناك ٢٠ حديقة وطنية ومحمية طبيعية تجتذب مليون سائح كل عام، وتدور أحداث ٨٠٪ من الأحداث التى يحكى عنها الإنجيل فى يهودا والسامرة التى تحتوى اليوم على ٤٥ مكانا مقدسا وأضرحة الخيِّريْن. ويعمل سبعة عشر ألف عامل فى زراعات وصناعات المنطقة، بينهم أحد عشر ألف عربى، وتنتشر أكثر من ثمانمائة أماكن للعمل فى ١٤ مركزا صناعيا وزراعيا فى يهودا والسامرة».
وبمقابل هذا الترغيب، يواجه الكتيب القارئ بالترهيب؛ الترهيب المعتاد من الإرهاب الفلسطينى والكراهية العربية، يضاف إليها الآن، وهذا مهم، «الربيع العربي». فإلى جوار صورة فوتوغرافية لميدان التحرير فى يناير ٢٠١١ (معنونة «بداية الثورة الإسلامية فى مصر») يقول النص: «دولة إسرائيل جزيرة من الاستقرار فى شرق أوسط مضطرب. إسرائيل هى الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة، تحوطها نظم شمولية تواجه الآن ثورات وتهديد بالراديكالية الإسلامية. حين تتفاوض إسرائيل اليوم مع البلاد حولها عليها أن تأخذ فى الاعتبار أن أى هدنة يتم الاتفاق عليها سوف تنتهك بعد سقوط النظام تاركة إسرائيل بوعود خاوية، وعدد أقل من الدعامات الاستراتيجية. ثورات الربيع العربى جعلت الشرق الأوسط أقل استقرارا.. والأحداث فى مصر وفى سيناء (!) تثبت أهمية الاحتفاظ بأصول تضمن أمننا بدلا من الاعتماد على معاهدات دولية لحمايتنا». وينهى مجلس الييشا الكتيب بالتأكيد والتوصيات التالية - بالبنط الثقيل:
نحن نؤمن أنه لتحقيق الحلم الصهيونى بعودة إسرائيل إلى أرضها وقيام دولة يهودية فى أرض إسرائيل، هناك عدد من الخطوات يجب على إسرائيل أن تتخذها:
تحقيق الحلم: خطة الخطوات التسع
١ - تجديد الإيمان القوى بالأحقية اليهودية فى الأرض وعدالة اتخاذ الإجراءات التى تضمن السيطرة عليها
٢ - توحيد الأمة وقيادتها
٣ ـ القوة العسكرية والسيطرة على المنطقة عن طريق الأجهزة الأمنية.
٤ ـ القضاء على الإرهاب وإنهاء التحريض فى المدارس الفلسطينية
٥ ـ خلق وضع يجعل من الواضح للمجتمع الدولى أن دولة جديدة غرب نهر الأردن لن تتمتع بمقومات الحياة.
٦ ـ هجرة إضافية لمليون يهودى إلى إسرائيل لضمان غلبة عددية دائمة لليهود فى إسرائيل.
٧ ـ مليون يهودى فى يهودا والسامرة - أى مضاعفة العدد الحالى ثلاث مرات.
٨ ـ إنشاء تجمعات سكنية كبيرة حول المجتمعات الموجودة حاليا فى يهودا والسامرة.
٩ ـ تنفيذ خطة بناء وتطوير وخطة اقتصادية للمليون ساكن فى يهودا والسامرة.
ملحوظة: لنذكر دائما أثناء القراءة ان «يهودا والسامرة» هى رام الله وبيت لحم والخليل ونابلس وجنين وطولكرم وجميع مدن وقرى وأراضى فلسطين التى احتلتها إسرائيل فى الـ٦٧.
الحدث الثاني: فى ٢٥ مارس أصدرت محكمة بريطانية تختص بالفصل فى نزاعات العمل حكما لصالح اتحاد الكليات والجامعات (يو سى يو) فى قضية رفعها المدرس السابق ومنسق حركة «أصدقاء إسرائيل فى أكاديميا»، رونى فريزر، يتهم فيها الاتحاد بالمعاداة للسامية - وهى التهمة المعلقة كسيف داموقليس على رقاب الناشطين فى القضية الفلسطينية فى الغرب. وفى جلسات الاستماع، التى استمرت لمدة أسبوعين فى نوفمبر الماضى، ادعى فريزر أنه قد عومل بعداء وبعدم حيادية أثناء نقاشات ومناظرات الاتحاد حول حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وأن هذا الجرح لمشاعره يعد تهجما عليه كيهودى. (وحملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل دعت إليها منظمات المجتمع المدنى الفلسطينى فى رام الله عام ٢٠٠٤ وتلقفها المتضامنون فى العالم فصارت الآن الوعاء الأكبر والأسرع نموا لحركات التضامن مع فلسطين فى جميع أنحاء العالم). قام بتمويل القضية بعض المنظمات البريطانية المساندة لإسرائيل، أما المحامى الذى قدمها وترافع لفريزر فيها فكان أنتونى جوليوس، وهو من أكثر المحامين شهرة فى بريطانيا (وكان المحامى الذى لجأت له الأميرة ديانا فى طلاقها) وأكثرهم دعما للمشروع الصهيونى، وقد أتى بشهود من أساطين المجتمع المناصر لإسرائيل مثل الكاتب هوارد جاكوبسون، فكان المشهد بمثابة قضية مرفوعة من المؤسسة الصهيونية فى بريطانيا وله وقع إعلامى كبير.
الأهمية الكبيرة لهذا الحكم الذى جاء فى صالح اتحاد العاملين فى الكليات والجامعات ترجع إلى عوامل عدة، منها الملاحظات التى سجلها القاضى فى حيثياته (الواقعة فى ٤٥ صفحة): «ان الإيمان بالمشروع الصهيونى والشعور بالارتباط بإسرائيل أو أى مشاعر مشابهة لا يمكن أن تعتبر صفات محمية (لا يمكن مهاجمتها)، فهى ليست جزءا مكونا فى يهودية الفرد»، و«نحن نشعر بالحزن الشديد لرفع هذه القضية أصلا، فهى - فى صميمها - محاولة - لا يصح السماح بها - للوصول إلى هدف سياسى عن طريق القانون»، «أستشعر فى رفع هذه القضية عدم اكتراث مقلق بالتعددية، والتسامح، وحرية التعبير»، و«يتحين على الناشط السياسى أن يتقبل احتمالات ان يسمع ما لا يحب وان تجرح مشاعره من حين إلى حين» - فبهذا حرر القاضى الاتحادات العمالية والمهنية المختلفة للنقاش والمناظرة والدعوة للمقاطعة الاقتصادية والثقافية والأكاديمية لإسرائيل بدون خوف من الاتهام بالمعاداة للسامية، كما قام بعملية تمكين مهمة للمساندين للحق الفلسطينى من يهود بريطانيا وفجر نقاشا غاية فى الأهمية فى الأوساط اليهودية فى البلاد، كما أصر على رفع المسألة برمتها من المجال الدينى والقانونى وتثبيتها فى المجال السياسى. ومن الجدير بالذكر أن الدفاع قدم وثيقة، ممهورة بتوقيعات خمسين عضوا يهوديا فى الاتحاد، تثنى على الاتحاد وتنفى عنه أى شبهة معاداة للسامية، وهذا أيضا مما يساعد فى الإصرار على التعامل مع القضية من منطلق سياسى وليس من منطلق عرق أو دين أو هوية.
إذاً: هذا هو جزء من التفاعلات والصراعات العالمية التى تؤثر فيما يحدث فى مصر وفى سوريا. فمصر، بموقعها وحجمها وإمكانياتها، وثقلها التاريخى لها أكبر الأثر فى شكل الأوضاع وتطورها فى الأراضى المحتلة، وللأسف نستطيع أن نقول إن هذا الأثر كان إلى الآن أثرا سيئا، فحرب الـ٦٧ التى تورطت فيها مصر أدخلت إسرائيل إلى القدس ومدن الضفة، ومعاهدة كامب ديفيد جعلت من مصر وإسرائيل «شركاء» بأشكال مختلفة، وإدارة محمد حسنى مبارك وجماعته الفاسدة طورت هذه الشراكة وأدارتها لمصلحة إسرائيل وضد مصلحة الفلسطينيين - بل وضد مصالح مصر أيضا (وفى الواقع أن التهمة الشاملة التى يجب أن توجه لمبارك ونظامه هى «إدارة البلاد لصالح أعدائها»). وفى كل هذا لم تختلف مواقف مصر عن مواقف العالم: حكومات متواطئة لا تقف أبدا مع الحق، أفراد يعملون ما يمليه عليهم ضميرهم، ويحاولون ويحاولون أن يوسعوا رقعة هذا العمل، فيتسع إلى مجهودات مهنية، ثم حملات شعبية … وفى حالة مصر والمنطقة تتسع رقعة العمل إلى ثورات مجتمعية ترى أن خلاص البلاد وانصلاح أحوالها لا يتم إلا بانصلاح أحوال المنطقة وإرساء نوع من العدالة فيها كلها.
فى كل ما يحدث فى مصر الآن، وبالأكثر فى سوريا، هل تجلس إسرائيل على حدودنا ساكنة متأملة متمنية لنا الخير؟ الحدود تراب والنضال واحد.