ترامب وعسكرة أمريكا
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الخميس 17 أبريل 2025 - 6:30 م
بتوقيت القاهرة
قبل أكثر من نصف قرن، وفى عام 1959 تحديدا، ألحق فريد كريست ترامب ابنه ذا الثلاثة عشر ربيعا دونالد بمدرسة داخلية عسكرية خاصة تقع شمال ولاية نيويورك تسمى New York Military Academy سعيا ليغرس فيه صفات الجدية والالتزام والانضباط التى فشلت العائلة فى تربية ابنهم المدلل عليها. وقضى الشاب دونالد خمس سنوات فى المدرسة العسكرية تألق خلالها وانضبط كثيرا، وصار شابا رياضيا ملتزما، خاصة مع تعوده على بدء يومه قبل السادسة صباحا وإنهائه قبل العاشرة مساء. أحب دونالد هذه الحياة المنضبطة، وتعود عليها، وبعد تخرجه من المدرسة لم يلتحق بكلية عسكرية كما كان يرغب، ويلح، بل انتظم فى دراسة إدارة الأعمال استجابة لرغبة والده فى أن يساعده ابنه النابه ويدير أعماله من بعده. وترك حلم ترامب فى أن يصبح عسكريا الكثير من الأثر فى حياته لاحقا، ومازال إعجاب دونالد بالحياة العسكرية يؤثر عليه بصورة كبيرة حتى بعدما اقترب من سن الثمانين، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه بانتخابه رئيسا لأكبر دولة فى العالم لمرتين غير متتاليتين. ومنحت الرئاسة ترامب حلما قديما وهو المنصب العسكرى الأهم فى تراتبية العسكريين الأمريكيين، ألا وهو منصب «القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية».
• • •
وفى بداية فترة حكمه الأولى، حاول ترامب «عسكرة» البيت الأبيض بصورة غير مسبوقة، وهو ما ساهم فى ظهور نقاشات داخل وخارج واشنطن لم يتخيل أحد أن تُجرى مثل هذه النقاشات من قبل وتتعلق، على سبيل المثال، بمستقبل العلاقات المدنية العسكرية الأمريكية، وبعضها الآخر يتعلق بالتبعات الخطيرة لعسكرة البيت الأبيض على السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية.
لقد ظهرت معالم تأثر وإعجاب ترامب بالعسكرية الأمريكية بداية فى اختياراته لمن يشغل عددا مهما من أرفع المناصب فى إدارته. وعلى عكس القوانين المتعارف عليها، تحرك ترامب بشغف واسع لتعيين جنرالات فى مناصب هامة بإدارته.
شهدت تعيينات ترامب فى المناصب القيادية فى بداية حكمه وجود عدد كبير من العسكريين السابقين فى مناصب مستشار الأمن القومى ووزارة الدفاع، وهذا غير مألوف إذ يشترط أن يكون الوزير مدنيا أو عسكريا بشرط مرور سبع سنوات على تقاعده العسكرى. كما اختار ترامب عسكريين لمناصب وزير الخارجية، وقبلها لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية ومنصب كبير موظفى البيت الأبيض. ورفع ترامب ميزانيات وزارة الدفاع، وزادت مخصصات البنتاجون والعسكريين فى عهد ترامب، وهو ما كان له نتائج كبيرة على السياسة الداخلية والخارجية لإدارة ترامب.
• • •
فى حين عرف البنتاجون 4 وزراء للدفاع خلال سنوات حكم ترامب الأربعة الأولى، اضطر الجنرال جيمس ماتيس، للاستقالة بسبب رفضه للكثير من سياسات ترامب، وخلفه لفترة قصيرة باتريك شانهان إلى أن اختير مارك إسبر الذى خدم لأكثر من عامين واضطر للاستقالة بعد رفض ترامب الاعتراف بنتائج انتخابات 2020، وجاء الجنرال كريستوفر ميلر ليصبح وزير دفاع بالإنابة فى آخر 3 أشهر من حكم دونالد ترامب.
وفى فترة حكم ترامب الثانية، أتى ترامب بالمحارب السابق ومقدم البرامج بشبكة فوكس الإخبارية، بيت هيجسيث، وزيرا للدفاع رغم افتقاده مهارات القيادة اللازمة حيث لم يسبق له قيادة أى وحدات عسكرية. واختار ترامب وزيرا للدفاع ينصاع لكل ما يأمره به، ولم يقدم ترامب على إقالة هيجسيث على الرغم من فضيحة تسريبات خطط مهاجمة الحوثيين فى اليمن والتى شاركها وزير الدفاع فى محادثة على تطبيق سيجنال، وضم النقاش رئيس تحرير مجلة «ذى أتلانتيك» بالخطأ.
• • •
يقول ترامب والكثير من أنصاره، أن دولا ديمقراطية مثل فرنسا وبريطانيا تنظم عروضا عسكرية لإحياء ذكرى ثوراتها أو انتصاراتها العسكرية الضخمة. وتشير تقارير مختلفة إلى نية الرئيس ترامب تنظيم عرض عسكرى ضخم يستعرض فيه أحدث منتجات المصانع العسكرية الأمريكية من مدرعات ومركبات، وصواريخ، وطائرات، ومدافع.
يحاول ترامب استغلال يوم 14 يونيو المقبل، والذى يحتفل فيه الأمريكيون بيوم العلم حيث تم اعتماد العلم الوطنى خلال الثورة الأميركية، ويصادف نفس اليوم الذكرى السنوية الـ 250 لإنشاء الجيش الأمريكى، وهو اليوم الذى يصادف كذلك عيد ميلاد ترامب الـ 79.
يرى ترامب، وكبار مساعديه، ضرورة تنظيم احتفال عسكرى ضخم على المستوى الوطنى لزيادة الفخر بأمريكا والجيش الأمريكي. ويرى بعض العسكريين أنه لا غضاضة فى الاحتفال العسكرى الذى يجعل الأمريكيين فخورين بجيشهم وبأمتهم، فى حين يرى بعض معارضى ترامب أن الولايات المتحدة لا تعرف هذه الظاهرة التى ترتبط فى ذهن غالبية الأمريكيين بالنظم الفاشية والنازية، أو بدول مثل كوريا الشمالية وروسيا والصين.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم تشهد الأراضى الأمريكية أى عرض عسكرى باستثناء عرض محدود عام 1991 لتكريم مقاتلى حرب الخليج الأولى (تحرير الكويت)، ولم يفعل ذلك وينظم عروضا عسكرية رونالد ريجان، رغم كل ما عرف عنه من حماسة واسعة وتأييد منقطع النظير للعسكرية الأمريكية.
• • •
يلقى بعض المعلقين باللوم على والد الرئيس ترامب، فريد كريست ترامب، الذى لو لم يستمع لرغبات ابنه الشاب بالانضمام لإحدى الكليات العسكرية، لما عرفت الولايات المتحدة، والعالم، ترامب رئيسا لفترتين يزلزل فيهما قواعد النظام الدولى الثابتة، ويهز أركان ديمقراطية أمريكا الراسخة.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن