ماذا بعد التذكير بالنكبة يا هيئة الأمم؟
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 17 مايو 2023 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
نرحب بقرار هيئة الأمم المتحدة بأن يكون هناك يوم فى السنة لتذكير العالم بمأساة الشعب العربى الفلسطينى التاريخية، المستمرة إلى يومنا هذا، بل المتعاظمة مع مرور الوقت. لكن القرار، ولتعذرنا الهيئة، جاء متأخرا جدا، وفى شكل رمزى بحت، ودون ربطه بأفعال مطلوبة فى الواقع من أجل تصحيح نتائج الجريمة الاستعمارية ــ الصهيونية بحق فلسطين المحتلة وملايين شعبها الواقعين تحت الاحتلال والمهجرين فى كل بقاع الأرض.
وبالرغم من رفضنا التام للقرار الأصلى بشأن أخذ جزء من فلسطين عنوة وإعطائه لأغراب، والذى كان قرارا خاطئا ومعيبا من قبل هيئة الأمم فى عام 1947، وقرارا فرضته دول الغرب الاستعمارى من أجل تعويض يهود أوروبا على ما لحق بهم من قبل ألمانيا النازية، وبالتالى كان قرارا ظالما إجراميا على حساب شعب عربى لم يكن مسئولا قط عن مشكلة يهود أوروبا مع دول أوروبا ولا مشاركا فى ذرة مما حدث.. بالرغم من ذلك فإننا سنناقش الواقع الظالم من خلال مكونات الواقع الخبيث اللئيم.
أولا: يعرف القاصى والدانى أن الكيان الصهيونى لم يلتزم قط، عبر خمس وسبعين سنة، بأى قرار أخذته الجمعية العامة ويتعلق بالموضوع الفلسطينى. لقد احتقرت سلطات الاحتلال الصهيونية كل قرار يتعلق بإرجاع ولو ذرة واحدة من الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطينى. بل ومارس مؤخرا عتاة اليمين الصهيونى المتطرف كل أنواع الجرائم اللاإنسانية ضد شيوخ ونساء وأطفال فلسطين وضد كل المقدسات الإسلامية والمسيحية هناك، ومع ذلك فكل ما تفعله الهيئة وعالمنا الخانع اللامبالى هو الدعوة المملة لالتزام الجميع (نعم الجميع: المجرمين والضحايا) الهدوء والسير فى المفاوضات العبثية التى استعملها الكيان الصهيونى للاستيلاء على تسعين فى المائة من فلسطين التاريخية وانتهى باعتبار الشعب الفلسطينى إما كساكنين مؤقتين أو كمجرمين يزج بالألوف منهم فى السجون وتدمر بيوتهم وتقتلع أشجار مزارعهم وتسرق مياههم، وإما كأغراب يجب تهجيرهم فى الحال فى منافى الأرض.
السؤال: أليس المفروض أن تطرح هيئة الأمم على أعضائها فكرة طرد هذا الكيان من هيئة الأمم وإشعاره بأنه مجموعة منبوذة لا تستحق الاعتراف بوجودها؟ عبر خمس وسبعين سنة لم تحاول هيئة الأمم أن تحرر نفسها من سطوة التحكم الأميركى الاستعمارى، المدعوم من قبل الدول الأوروبية الاستعمارية، فى قرارات هيئة الأمم، لتثبت لنفسها وللعالم بأن هيئة الأمم هى بحق من أجل الجميع وباسم الجميع، وأنها أخيرا ستمارس العدالة فى الموضوع الفلسطينى.
اليوم نسأل: كم قرن يجب أن يمر حتى يستيقظ ضمير الأمم المتحدة لتعاقب هذا الكيان على جرائمه، ولتكفر عن قرارها الجائر الأصلى بسلخ جزء من فلسطين، وإعطائه للأغراب دون أخذ رأى شعب فلسطين العرب الساكنين فى تلك الأرض منذ آلاف السنين؟
ثانيا: نقول للسلطات والفصائل الفلسطينية: ألم يئن الوقت للإعلان أمام العالم كله بأن خمسا وسبعين سنة من الآلام والعذابات والصبر والتنازلات لم تقنع الكيان الصهيونى بالتخلى عن أسطورة «أرض إسرائيل الكبرى»، وبالتالى أخذ كل فلسطين التاريخية كخطوة أولى، وأنه يقضم مزيدا من الأرض يوميا، ويمارس الجرائم يوميا، وأنه أصبح وحشا لا يمكن التعايش معه؟. ومن هنا فإن الشعب الفلسطينى وبقية شعوب الأمة العربية لن يقبلوا بعد الآن التفاوض إلا على أساس قيام دولة فلسطين العربية الموحدة الديمقراطية التى تضم كل العرب الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين واليهود غير الصهيونيين لمن يقبلوا أن يعيشوا بسلام مع الآخرين فى أرض فلسطين كلها.
ويأمل الإنسان أن تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة مثل ذلك القرار العادل الشجاع الذى يتحدى الظلم الأمريكى ــ الأوروبى الذى لم يكتفِ بما فعله منذ وعد بلفور الإنجليزى المشئوم، الذى أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وإنما يستمر هو نفسه بالتحالف مع الحركة الصهيونية العالمية، تارة باسم الدين المتخيل وتارة باسم المصالح المالية الجشعة، من أجل تحقيق حلم باطل كاذب يخادع البشر ويتجرأ حتى على أن يخادع الله الحق العادل وقوانينه فى خلقه.
بعد مرور ثلاثة أرباع قرن، آن أن تُطرح أفكار جديدة وأن تُفعل إرادة جديدة قوية وأن تتحرر الإنسانية من كابوس كذبة كبرى.