كل هذا الجحيم
خولة مطر
آخر تحديث:
الثلاثاء 17 يونيو 2014 - 5:35 ص
بتوقيت القاهرة
تدرك أن الأحداث لا تأتى من فراغ... تعرف أن البشر لا يسقطون من السماء فوق بقعة ما فيحولونها إما إلى مساحات من الهدوء وبعض السكينة أو إلى الجحيم! وأن الفضاء لم ينزل سفنه ومخلوقاته كما فى الأفلام الهوليودية فجأة على تلك المدينة القابضة على الجمر منذ ذاك اليوم المظلم حيث تسللوا إليها أمام عدسات الكاميرات وهم يرفعون إشارات النصر منتصبين فوق دباباتهم معلنين فتوحات جديدة باسم الديمقراطية والقضاء على الديكتاتوريات فى آخر بقعة فى الكون لا تزال تئن تحت مسميات لدول وأوطان لا تعرف من المواطنة سوى الولاء والخضوع والخوف المغمس بعرق اليوم.
يومها انقلبت المفاهيم والتحالفات وحتى المفردات فى المعاجم والقواميس العربية.. الفوضى الخلاقة ربما أو دروب الديمقراطية والنور ربما أيضا!! أو هى أن العالم لم يعد يحتمل مزيدا من أنظمة الحكم الفردية للشعوب والدول أيضا ربما!!! أو أن المنطقة بأكملها مقبلة على تحول لمزيد من الانفتاح ولمصلحة شعوبها المنكسرة تحت أحذيتهم وفى غرفهم المعتمة شديدة الرطوبة.
•••
أبواب الجحيم لم تفتح قبل أيام فقط بل هى قد فتحت منذ سنين عندما ساد الصمت العواصم والمدن و«خرس» الحكام فأخرست الشعوب المجهدة من الصمت القاتل والكلام الذى ينتهى عند حبل المشنقة لا أبعد ولا أقرب من ذلك.. الصمت عدوكم الأول بل هو ولا يزال عدوكم!!! عندما سقطت هى.. عروس مدنكم راح المطبلون وحملة المباخر يبشرون بالقادم الجميل.. قالوا لهم ستعود العصافير لتغرد على ضفتى النهرين وستطبع المطابع كل الفكر دون رقيب أو حسيب، وستعود مدارسكم وجامعاتكم لتبث النور لكل الكون، وسيرسل فنانوكم بريشهم وكتابكم بحبرهم وأجهزتهم الحديثة فى فضاء من الخيال الواسع.. ورددوا عليهم لقد فتحنا كل الأقفال والأبواب الموصدة.. لكم الفضاء دون حواجز.. حينها باعوا لهم الوهم فى مسميات التحرير والحداثة والديمقراطية.. لم تمض فترة طويلة قبل أن تفتح السماء أبواب الجحيم مرة أخرى.. ما لبثت وأن اصبح عدد القنابل والمتفجرات والانتحاريين أكثر من عدد المدارس والمكتبات والمخابز.. صار الخروج الى الشارع شيئا من الانتحار العلنى.. اصبح القتل وجبتهم اليومية حتى أغفلته نشرات الأخبار العالمية إلا فيما ندر!!! لم تسلم حتى الجوامع والكنائس ودور العبادة.
•••
استمر البعض فى الترويج للمثال أو الوهم الجديد فى الديمقراطية التى أخرجت العصبيات من قمقمها وقسمت المقسم وفتت المفتت فيما هم الجالسون ليس بعيدا عن كل هذا يضربون الكؤوس فرحا.. هذه عاصمة أخرى سقطت وها هى أخواتها سيتبعنها حتما.. حتما.. حينها عاد أولئك المنغمسون فى ملذاتهم فى غرفهم المكيفة يرددون كذبتهم وصرختهم فالحرب على الطائفة وليس الوطن أو الأوطان.. ذاك القابع فى قلب الوطن الكبير ليس هو بالعدو بل هذا القريب جدا على الضفة الأخرى منا!! صدقها حتى الجالس فى طنجة واستل سيفه دفاعا عن الطائفة!!! وكان أن أموال النفط التى تحدث عنها المحللون والصحفيون حتى فى صحفهم (مثال ذلك المقالة الأخيرة لروبرت فيسك فى الاندبندنت بتاريخ 13 يونيو 2014) راحت تتكدس فى حسابات مصرفية تغسل عبر محطات عدة وتنتهى فى ايدى نفس أولئك الذى يعلن عليهم الحرب علنا ويكفرون علنا أيضا ربما لاستمرار ذات المسرحية المرسومة المضحكة التى اتبع تعليماتها الأعلام بغباء و فجاجة شديدة.
•••
أبواب الجحيم هنا وقد فتحت ليس قبل أيام عندما ارتفعت الرايات السوداء كقلوب بعضهم أو أكثرهم بل قبل ذلك بكثير عندما خلق ذاك العفريت بأسماء ومسميات عدة وتحت رايات مختلفة.. ذاك الذى صنع فى عدد من العواصم والقصور.. ذاك الذى كان عليه أن يحقق الكثير من المصالح الآنية ولكن لم يلتفت أحدهم إلى أن العفريت قد يتحول ضد خالقه أيضا!!! ومن صنع العفريت هل سيستطيع أن يصرفه؟
الآن وقد بدأت حمم الجحيم القادم تبدو أقرب من القرب ما نحن فاعلون؟؟ يرددون أننا نحارب ذاك الذى أطلقوا عليه الكثير من المسميات وقد أرسلنا جندنا وجيشنا الإعلامى ليقوم بالواجب المطلوب!!! حركنا كتابنا الكبار منهم والصغار ومقدمى البرامج فى المحطات الفضائية والمحلية ووجهناهم جميعا فانتشروا هم كعادتهم يرددون أن الحرب قد بدأت على التكفيريين فى كل مكان... يقف ذاك المواطن المسكين تحت درجة حرارة الصيف القاتلة فى مدن الملح وهو يقول التكفير ليس فى عقول رافعى الإعلام السوداء بل هو هنا أقرب لنا من القرب فماذا نحن فاعلون؟