آدم والنساء
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 17 يوليه 2020 - 6:55 م
بتوقيت القاهرة
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصاب البشرية الكثير من الوسوسة خوفا من اندلاع الحرب العالمية الثالثة التى سوف تأتى بالكوارث الاجتماعية إلى البشر، ومنها إصابة الذكور بعدم الخصوبة، وعدم القدرة على الإنجاب.
حين تتسرب إشعاعات مدمرة تجتاح العالم كله، وهذا النوع من الأدب اسمه التخيل السياسى، وقد انتشر فى الستينيات ورأيناه فى أفلام مستوحاة من روايات أمريكية، وأوروبية، ومن أشهر هذه الروايات «السيد آدم» تأليف بات فرانك عام 1946، التى ترجمت إلى اللغة العربية، باسم «آدم الجديد» نشرت فى سلسلة الألف كتاب، وحولها الصحفى ناصر حسين إلى سيناريو بعنوان «آدم والنساء»، والرواية العالمية تدور أحداثها فى مناطق المناجم؛ حيث تمكن العامل الكسول آدم أن ينجو من الكارثة التى أصابت الرجال فى ذكورتهم دون المساس بأرواحهم، وتحولت الرواية إلى فيلم مصرى عرض عام 1972 بطولة حسن يوسف، ونبيلة عبيد، فقد حدث الانفجار النووى، وآدم نائم فى المنجم، وكان الناجى الوحيد فى هذا العالم، والموضوع يصلح كى يكون فيلما مسليا، رغم أن الهدف الأساسى من هذه الأفلام هو تحذير رجال السياسة، وزعماء العالم من مصائر محتومة.
آدم رجل متزوج، ويحب زوجته، ولكنه حسب القانون الجديد فيجب أن يكون ملكا لكل نساء العالم، وأن يتم إعارته إلى البلاد لمضاجعة النساء، بشكل آلى من أجل البقاء للنوع الإنسانى.
والفيلم لا يركز على الجانب العلمى بقدر الأخلاق والسلوك الاجتماعى المرتبط بمثل هذه الظروف، فزوجته تشعر بالغيرة الشديدة عليه ولا تريده القيام بالمهمة، فما أجمل النساء اللاتى سوف يضاجعهن. فهو فى حوار يقول إنه يعمل بقوة فى البيت ما يعكس فحولته، وعليه بعد الانفجار النووى، أن يسافر من بلد إلى آخر، وأن تصحبه زوجته إما متخفية أو بشكل واضح، وتبعا للأخلاق، فإن آدم يتفنن فى مضاجعة زوجته احتراما لها ويهرب من النساء الأخريات، ويكاد يسبب مشاكل دبلوماسية، إلى أن تنزاح الغمة ويتبدد الغبار الذرى، وتعود الخصوبة إلى بقية رجال العالم.
فى تلك الأفلام التى تمثل السبعينيات، كانت مكانة نبيلة عبيد تتأرجح فى الأفلام، فهى البطلة الرئيسة هنا فى الفيلم، بينما هى مساعدة فى أفلام أخرى سواء فى مصر أو خارجها، وهذا هو التعاون الوحيد مع سيد بدير، الذى كان أهم كتاب الحوار والسينايو فى الأفلام، لكن أعماله كمخرج سينمائى لم تكن بأهمية الأفلام التى كتبها ومنها «ليلة رهيبة»، و«الزوجة العذراء» ولكننا يمكن مشاهدة «غصن الزيتون» باهتمام، والغريب أنه فى فيلم «آدم والنساء» ترك ناصر حسين يكتب السيناريو دون تدخل منه، واكتفى بالإخراج، والكاتب هو واحد من الصحفيين الذين عملوا بالسينما فى التأليف والإخراج، ومنهم عزت الأمير، ومدحت السباعى، وصار عميد إخراج أفلام المقاولات فى الثمانينيات، وهى الأفلام التى بها أكبر قدر من التسطيح واللامبالاة، وأعتقد أنه تعامل مع السينما دوما باستخفاف، إلا فى فيلم «آدم النساء».
موضوع العقم الجماعى تكرر فى فيلم «النوم فى العسل» بشكل آخر، وهو ينتمى أيضا إلى الخيال السياسى؛ حيث صار العقم الجنسى ظاهرة عامة بمدينة القاهرة، وفى الرواية الإنجليزية تدور الأحداث فى منطقة المناجم، المجاورة للمنطقة السكنية، وهم قوم فقراء، ورغم خصوبة آدم فإن زوجته لم ننجب منه إلا أنها بعد الانفجار النووى تكتشف أنها حامل.
الرواية أقرب إلى العمل االمسرحى، لكن الموضوع نفسه فى الأدب العالمى عولج فى الصياغة الروائية خاصة أعمال الكاتب الفرنسى روبير ميرل.
آدم وضع حول نفسه الكثير من القيود الاجتماعية، فهو لم يضاحع أى امرأة أخرى سوى زوجته. وهناك امرأة تجسدها نجوى فؤاد الدبلوماسية تنتمى إلى دول العالم المتقدم تقع فى غرام آدم، ووجد الكاتب نفسه أمام مشكلة الزواج أو المضاجعة بين آدم والنساء، فرأيناه أقرب إلى الفتاة العذراء، لم يمس امرأة أخرى، والأمر الأساسى هنا أننا أمام رجل خصب، وأن الدولة الجديدة غيرت من قوانينها، فشكلت وزارة مهمتها الراحة النفسية للرجل، من جميع الخدمات، هذه الوزارة مهمتها تدبير المكان الآمن للرجل، وإحضار النساء إليه.
هنا كانت هناك الزوجة الثانية التى حملت بالفعل، وكما نرى فإن الكاتب لم يدخل بطله فى المزيد من الصراع، وقام بوضع الحل غير المنتظر، فابتكر نهاية سريعة؛ حيث انتهى تأثير الإشعاع السرى فى غضون العام.
وعلى كل فإن مثل هذه الفكرة بدت غريبة على المتفرج، وأخبرنا الفيلم إنه حتى فى الكوارث عند الضرورة يرجى الاحتفاظ ببكارة الرجل.
الملاحظ أن السيناريو لم يقم بتسمية شخصيات الفيلم فنحن لا نعرف أسماء النساء ولا الأصدقاء، أو العاملين فى المناجم، ولا الدول، وإذا كان أحدهم قد ذكر بشكل عابر أن الزوجة المصرية اسمها منى، فإن إحدى الدول الكبرى التى تتصدر العالم تهجز امرأة راقية يطلق عليها اسم حواء الجديدة تصبح تحت قوة السلاح هى الزوجة الثانية للشاب آدم وذلك أسوة بالنص الأدبى وتزوج آدم إذن تحت التهديد، ويتم تحصينه، لكن سرعان ما يأتى الفرج حين يزول أثر الإشعاع النووى ويعود كل زوج إلى امرأته، وباعتبار أن طابورا طويلا من نساء فى انتظار أن يأتى الحل من حيث لا يعرف أحد من أين تجدر الإشارة أن هناك مسرحية مصرية اقتبست عن نفس الرواية باسم «رجل ومليون ست».