ما الذى حدث للخليج؟
خولة مطر
آخر تحديث:
الإثنين 17 أغسطس 2015 - 5:30 ص
بتوقيت القاهرة
تسابق الخليجيون أخيرا لنشر صور تبدو فى مجملها فضائحية أو مخجلة، على أقل تقدير، لممارسات كثير من السياح الخليجيين فى المدن الأوروبية العريقة.. تأتى التسجيلات بالصوت والصورة لأعداد كثيرة من خليجيين استباحوا الحدائق العامة والشوارع المكتظة وضفاف الأنهار وحتى برج إيفل لم يسلم من بعض من تلك التصرفات التى تبدو شاذة جدا.
كثير من تلك الصور يثير السخرية ولكن الأكثر فى حقيقة الأمر يؤكد على بعض من الخلل لابد وأن تقف دول الخليج أمامه بشكل من الصراحة والمباشرة وبعيدا عن التذرع مرة أخرى بالعادات والتقاليد.. فلم يكن من عادات أهل الخليج أبدا، وخاصة الدول الخليجية التى عمل أهلها بالتجارة لسنوات طويلة، وكانت لهم زيارات للهند وبريطانيا وغيرها، أن يستبيحوا الأماكن العامة بل على العكس. كان الخليجيون الأوائل أكثر احتراما لعادات وتاريخ وتقاليد الدول التى يزورونها، وكانوا دوما على رغبة لتعلم الجديد. وقد انعكس ذلك على عادات وتصرفات ونظرة هؤلاء الأوائل لمفهوم الحياة والحضارة واحترام الآخر وكذلك، والأهم، احترام وتكريم النساء، فقد علَّم الآباء التجار الأوائل بناتهم حتى المراحل التعليمية العليا وألحقوهن بكليات وجامعات خارج دولهم فى مصر ولبنان على وجه التحديد.
***
المشاهد التى تواردت فى مجملها تشير إلى تصرفات هى كلها دخيلة، لم تطرأ على تلك المجتمعات إلا خلال العشرين سنة الأخيرة، وازدادت مع الوقت عندما طغت ثقافة عوائد النفط والاستهلاك والاقتصاد الريعى على الحياة العامة. فانتشرت أمراض مثل النظرة الدونية للآخر، والتعامل السيئ مع اليد العاملة الوافدة خاصة التى تعمل فى وظائف متدنية، حتى يقول بعض الخليجيين بكثير من الجهل «هذا هندى» بنظرة دونية لشعب لديه من الحضارة والتقدم والتطور التكنولوجى ما يتفوق على دول الخليج مجتمعة التى لا تعرف سوى الاستيراد والاستهلاك والثروة العقارية الزائفة، التى لا تصنع دول حتما وبالطبع لا تصنع شعوب.
ونتيجة لحرارة الصيف الشديدة التى لا يتحملها بشر يرحل الخليجيون بحثا عن نسمة هواء، وهذا كله مشروع كما يفعل الأوروبيون فى الصيف، ولكن بالتوجه نحو البحر بعيدا عن شتائهم الطويل بأيامه الغائمة. وحتى يكون هناك شكل من الإنصاف فإن بعضا من الأوروبيين كانت لهم تصرفات مشينة ومسيئة فى بعض المدن الساحلية الإسبانية أو الفرنسية ولكنها لا تبقى دون عقاب القانون الذى يفعل فعله بالردع. وكذلك ملاحظات وانتقادات الإعلام الوطنى بهذه الدول والتوجيه والنصح من قبل حكومات بعض من هذه الدول. أما فى الخليج فهناك أكثر من عامل مساهم فى مثل هذه الممارسات أولها النظرة إلى الآخر على أنه عبد، أو على أقل تقدير، أقل من الخليجى القادم بأمواله التى تشترى البشر والحجر وما بينهما. كل ذلك مبنى على فكرة تبدو مغمسة بكثير من الجهل والكبت لمجرد أننا نملك المال أو بعضه حتى أصبحت هذه ثقافة أثرياء الخليج بل وحتى طبقاتها المتوسطة. كما أن فقدان القدوة يبدو عاملا مؤثرا جدا. فإذا كان علية القوم أو المسئولون بتلك الدول يقومون باستباحة الأماكن العامة فلم لا يفعلها الخليجى البسيط ؟؟؟!!!
***
لكل ذلك افترش الخليجيون الهايد بارك ووضعوا أراجيلهم وأصناف طعامهم وموسيقاهم الصاخبة بأعلى صوت غير مكترثين بالآخرين الذين لهم فى مثل هذه الأماكن العامة نصيب وحق مثلهم.. ثم تركوا أطفالهم لتعذب الطيور والحيوانات الأليفة ورجالهم يخترقون بنظراتهم النساء الباحثات عن بعض من الاستحمام بالشمس، فيما يجلسون هم بالقرب من نسائهم المتشحات بالسواد من رءوسهن حتى أخمص أقدامهن فى موجة حر أوروبية!!! والآخرون فى المدن الألمانية والنمساوية خالفوا كل أعراف تلك الدول العريقة بفرض طريقتهم وتقاليدهم الدخيلة حتى فى العلاقات بين المرأة والرجل، التى بالطبع أثارت استفزاز العديد من الألمان والنمساويين وغيرهم من الأوروبيين بعد أن ناضلت نسائهم ورجالهم من أجل مساواة المرأة وكسر كل أصناف التمييز ضدها..
ولم تسلم منهم حتى مدننا العربية. انظروا لأولئك فى فنادق القاهرة الفاخرة وهم يتربعون على الكراسى الوفيرة واضعين أقدامهم فوقها غير مكترثين بأنها للجميع وليست خاصة بهم. ولا يكتفون بذلك بل يتعاملون وبكثير من التعالى مع العاملين فى مثل هذه الفنادق وغيرها..
***
كل هؤلاء لا يمثلون الخليج الذى نعرفه ولا الخليجيون الآباء والأمهات الذين كانوا على درجة كبيرة من التواضع والخجل والاحترام للآخر والرغبة العميقة فى التعلم من ثقافات الكون، بل والامتنان لكل أولئك المصريين واللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم من العرب الذين علموا أجيالا من أبناء الخليج الأوائل، وغيرهم ممن أسسوا الصحافة الخليجية فى مراحلها الحديثة والمسرح والمتاحف. ولايزال أبناؤهم يُعلمون فى هذه الدول ليقدموا خلاصة تجاربهم وعصارة حضارة شعوبهم وبلدانهم وغيرها..
ماذا حدث للخليجيين ؟؟ ماذا حدث لنا؟؟