أجواء انتخابية أمريكية مثيرة للقلق العالمى
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 17 أغسطس 2016 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
تقترب الحملة الانتخابية الأمريكية من نهايتها، ومعها يكاد القلق يصل إلى ذروته. تابعنا انتخابات عديدة جرت فى الولايات المتحدة ولا شك أن القلق كان موجودا فى أغلبها. لا أتحدث هنا عن قلق الأمريكيين أصحاب الشأن الأكبر فى انتخابات تأتى لهم برئيس يحكم وقد يتحكم لأربع وربما ثمان سنوات. أتحدث عن قلق عام فى كل أنحاء العالم. إذ أنه منذ أن خرج على البشرية رئيس أمريكى يبشر بمبادئ ويدعو لالتزامها ويثبت جديته وقوة دولته بانغماسه فى أول حرب عالمية تحت قيادته، منذ ذلك الحين صارت الانتخابات الرئاسية الأمريكية شأن كل الناس فى كل مكان. لا شعب فى العالم مهما كان حجمه أفلت، فى ظنى، من تدخل مباشر أو غير مباشر من جانب جهاز أو أكثر من الأجهزة السياسية والأمنية والاقتصادية الأمريكية فى شأن من شئونه. لذلك يبدو طبيعيا هذا الاهتمام الفائق لدى الكثيرين فى الشرق الأوسط من المقيمين فيه والمهاجرين منه بتطورات الحملة الانتخابية. قابلت من المهتمين بشدة أكرادا من العراق ومن سوريا ومن تركيا، كنت أقابلهم على امتداد انتخابات أمريكية سابقة. كانوا مهتمين ولكن اهتمامهم هذه المرة غير مسبوق ومصحوب بدرجة عالية من القلق. قابلت أيضا فى الشهور الأخيرة مسيحيين من دول عديدة فى المنطقة. كان المسيحيون المصريون أكثر من قابلت بطبيعة الحال وإن لم يكونوا بين الأشد اهتماما كالعراقيين مثلا. كلهم على كل حال مهتمون بالحملة الانتخابية وتطوراتها المذهلة وكلهم قلقون.
قلقون كذلك أغلب، وربما كل حكام الشرق الأوسط. يزداد قلقهم وقلق من يجرى فى فلكهم من مؤيدين ومعارضين مع كل تغير يظهر فى مزاج الرأى العام الأمريكى. هؤلاء ابتداء فى أقصى الشمال بأردوغان وخصومه من أتباع جولن والأقليات وفلول العسكريين والاستخبارات وانتهاء فى أقصى الجنوب بعبدربه منصور هادى وعبدالله صالح والحوثيين والقاعدة وتجار الحرب والمنشغلين بها، هؤلاء جميعا يتخوفون من مرحلة قادمة بلا ريب يكون فى البيت الأبيض رئيس مقيد بمزاج أمريكى جديد صاغته هذه الحملة الانتخابية غريبة الأطوار والأفكار.
كنا خلال الشهور الأخيرة شهودا على عملية نزوح تاريخى كبير لعديد الحكام فى الشرق الأوسط فى اتجاه الشمال بعد سنوات بل عقود من استقرار بوصلة السياسة الخارجية والدفاعية فى المنطقة على ناحية الغرب. المفارقة هنا هى أنه بينما يكاد يتوحد الحكام فى اختيار روسيا، أى الشمال، مقصدا لنزوحهم السياسى مؤقتا كان أم أطول قليلا، تكاد الشعوب تتوحد فى الإصرار على أن يكون الغرب الهدف الوحيد للجوء أو الهجرة. القوارب تبحر من شواطئ غرب آسيا نحو شواطئ البلقان وإيطاليا بينما الطائرات تنقل الرؤساء وحكوماتهم إلى سان بطرسبرج وموسكو وسوتشى وآخرهم الرئيس روحانى إلى باكو عاصمة أذربيجان، حيث كان الرئيس بوتين فى انتظاره خصيصا قبل غيره.
***
سادت شكوك لدى حكام دول الإقليم قبل فترة غير طويلة فى نوايا الرئيس أوباما تجاه مستقبل علاقات بلاده ببلاد الشرق الأوسط وقضاياه. وقفت وراء هذه الشكوك بيانات وخطط أمريكية معلنة عن توجه مستحدث فى السياسة العالمية لواشنطن يعتبر منطقة آسيا والباسيفيكى نقطة ارتكاز جديدة للسياسة الدفاعية الخارجية. فهمت قصور الحكم فى عواصم الشرق الأوسط من إسرائيل غربا إلى طهران شرقا ومن أنقرة شمالا إلى مسقط جنوبا أن أمريكا قررت الانسحاب على مراحل من الشرق الأوسط. كان لهذه الشكوك ما يبررها وكان لبعض الظنون ما يؤكدها. المهم فيها من وجهة نظرنا أنها غرست فى الرأى العام الأمريكى بذور اقتناع بتراجع أهمية الشرق الأوسط وبفكرة أخرى لا تقل أهمية وهى أن العمل السياسى والأمنى فى هذه المنطقة صار باهظ التكلفة ولن تتحمله طويلا الخزانة الأمريكية. حدث هذا قبل انغماس الولايات المتحدة فى معركتها الرئاسية، ولا شك عندى فى أنه بذلك يكون قد أسس للجدل الدائر فى الحملة الانتخابية حول قضايا بعينها مثل جدوى تحالفات أمريكا الخارجية والعلاقة مع الإسلام والهجرة.
لا أبالغ وأنا أقول أن ليس كل ما نطق به دونالد ترامب لغو بلا أساس. كارثة العراق التى تسببت فيها أمريكا حقيقة واقعة، التهاون الأمريكى مع ظاهرة التشدد والإرهاب الإسلامى جريمة سياسية ارتكبها رؤساء سابقون ولكنها تفاقمت على أيدى أوباما ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون. التردد الشنيع الذى تعاملت به إدارة أوباما، وربما أيضا الدرجة العالية من انغلاق جهاز صنع القرار فى البيت الأبيض، كلاهما مسئول مباشرة عن مسائل احتوى عليها الخطاب الانتخابى للمرشح ترامب.
كذلك يصعب إنكار أن مجمل السياسات الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط ونتائجها سبب فى نقص الهيبة الذى أصاب المكانة الأمريكية لدى معظم دوائر الحكم فى العالم العربى كما هو واضح بجلاء فى الرياض كما القاهرة وأنقرة ودمشق، وكما طهران من جديد. جرى العرف فى الصراع مع إسرائيل على اعتبار أن 99% من أوراق الصراع فى يد أمريكا، إلا أنه مع استمرار تناقص الهيبة الأمريكية دفع الأطراف إلى قاعدة جديدة هى أن 99% من أوراق الصراع هى الآن فى يد إسرائيل. بمعنى آخر، لم تعد الأطراف العربية تنتظر أن تسفر الانتخابات الرئاسية عن رئيس يعيد إلى أمريكا دورها ليس فقط فى الصراع العربى الإسرائيلى ولكن كذلك فى مختلف قضايا وأزمات المنطقة.
***
يخشى بعض أساطين التنظير لمستقبل علاقات أمريكا مع الخارج من أن هذه الحملة تكون قد أثرت فعلا فى المزاج العام الأمريكى، وبخاصة فى اتجاه: أولا: مزيد من التقلب والتردد فى صنع القرار، ثانيا: تعميق الشكوك حول جدوى حلف الناتو ومنظومات تحالفات أخرى مثل الحلف من أجل نشر الديمقراطية، ثالثا: نشر أجواء مفعمة بالخطورة تحيط بالإسلام كعقيدة والمسلمين كشعوب وحكومات وجماعات وأفراد. رابعا: صورة العالم الخارجى، حال فوضى شاملة بلا أى أمل أو رغبة أو استعداد لبذل جهد لوضعها مرة أخرى فى شكل «نظام».
***
تنتهى قريبا حملة الانتخابات لمنصب الرئاسة الأمريكية، وفى ظنى أن نهايتها لن تعنى نهاية حال القلق الشديد وحال الاستقطاب العنيف الذين كشفت عنهما الحملة ثم أضافت إليهما قلقا أشد واستقطابا أعنف ليس فى أمريكا فحسب بل وفى العالم كله، وبخاصة فى الشرق الأوسط.