مصر فى قبضة الألتراس

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 17 سبتمبر 2012 - 8:10 ص بتوقيت القاهرة

أحب كرة القدم مثل ملايين المصريين، وكثيرا ما ذهبت إلى الاستاد لمشاهدة المباريات قبل ظهور روابط أندية كرة القدم ( الألتراس) وبعدها، وفخور بعضويتى وانتمائى إلى النادى الأهلى، الذى حرصت على المشاركة فى كل انتخابات أجريت لاختيار رئيسه ومجلس إدارته، فقد كانت انتخابات الأهلى ونقابة الصحفيين تجريان بحرية تامة، فى وقت اعتدنا تزوير انتخابات البرلمان واستفتاءات الرئاسة ذات التسعات الخمس.

 

الآن، يعتصم الألتراس أمام بوابات النادى الأهلى، ويمنعون أعضاءه ــ وأكثرهم ليسوا ضمن الألتراس ــ من دخوله، مطالبين برحيل حسن حمدى ومجلس إدارته المنتخب، وتراجعهم عن قرار استئناف الدورى «حتى يتم القصاص للشهداء»، وهى مقولة حق يراد بها باطل، فالذين قتلوا فى بورسعيد هم ضحايا التعصب المقيت الذى نشره إعلام فاسد منافق، هلل للألتراس وشجع تعصبهم، واحتفى بـ«دخلاتهم» وأغنياتهم وصواريخهم وشماريخهم، متناسين أن هذه الظاهرة التى نشأت فى إيطاليا ورعاها ملّاك الأندية ومحترفو المراهنات، تقوم على العصبية البغيضة إلى حد قتال الشوارع ضد مشجعى الأندية المنافسة، فإذا بمباريات الكرة تتحول من فرصة للمتعة والترويح عن النفس، إلى مناسبة للتخريب والهم والغم.

 

 الآن يشارك الألتراس فى المواجهات ضد الأمن أمام السفارة الأمريكية، بعد أن اقتحموها مع مجموعات أخرى من السلفيين والغاضبين على الفيلم المسىء لنبينا الكريم، وأنزلوا علم أمريكا ورفعوا فوق السفارة أعلام بن لادن وصوره، وهو أمر لا يخلو من دلالة برأيى، فأسامة بن لادن هو «كابو» الدين الذى دخل فى السياسة، تماما كما أن «كريم» زعيم ألتراس الأهلى، و«مشاغب» زعيم ألتراس الزمالك هما «كابو» الرياضة التى دخلت فى السياسة، وهكذا، انتقل الألتراسيون من الرياضة إلى السياسة، ناقلين إليها تعصبهم وتطرفهم المفرط، متناسين أن السياسة فى بعض تعريفاتها هى «فن الممكن» أو «براعة الاختيار بين البدائل».

 

ليس هذا افتئاتا على الدور الذى لعبته مجموعات من الألتراس، شاركت فى الثورة جنبا إلى جنب ملايين المصريين الذين خرجوا فى شوارع المحروسة وميادينها يطالبون بالتغيير، لكنه إشارة إلى هذه الحالة من تلبيس الحق بالباطل، ومحاولة جماعات فرض قوانينها الخاصة بالقوة، بصرف النظر عن مخالفة ذلك لقوانين الدولة وأعراف المجتمع، وتعارضه مع حقوق الآخرين.

 

بعد ألتراس كرة القدم، لدينا الآن ألتراس ولاد أبواسماعيل، وألتراس الإخوان، وغدا ألتراس للأقباط وأطفال الشوارع والشرطة والجيش والسلفيين، وبعد غد تتحول هذه «الألتراسات» إلى ميليشيات مسلحة، تواجه بعضها بعضا أو تواجه الدولة، وحين يجرى ذلك، ستصبح مصر أمصارا، ولن يفيد بكاؤنا على اللبن المسكوب.

 

الوسطية المصرية تتهاوى، وبدلا من إحياء ذات الفرد فى مواجهة ثقافة القطيع، إذا بنا ننتكس ونعود قطعانا وقبائل أشد بؤسا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved