عالم روبيو المثالى

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 17 سبتمبر 2025 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

‎بالتزامن مع القمة العربية والإسلامية الطارئة التى استضافتها العاصمة القطرية الدوحة أحدث ضحايا شعور إسرائيل بفائض قوتها وعجز الدول العربية والإسلامية، تحدث وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو أثناء زيارته للكيان الصهيونى، قائلًا: «فى العالم المثالى، كان يمكن تحقيق ذلك من خلال اتفاق دبلوماسى، توافق حماس على نزع السلاح وحل نفسها، وتوافق على الإفراج الفورى عن كل رهينة، بما فى ذلك جثامين من قتلوا.. لكن ذلك لم يتحقق، وإذا لم ينتهِ بهذا الشكل، فسوف يتعين أن ينتهى بالحرب»، التى لا تقتل فيها إسرائيل مقاتلى حماس وغيرهم من رجال المقاومة الفلسطينية المسلحة، وإنما تقتل الأطفال والنساء وتدمر البيوت.

 


‎إذن ففى عالم أمريكا المثالى لا يوجد حديث عن إنهاء الاحتلال ولا عن حقوق الشعب الفلسطينى ولا عن وقف الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل بتسليح وتمويل أمريكى مفتوح، وإنما الحديث عن ضرورة استسلام المقاومة الفلسطينية وحل نفسها دون قيد ولا شرط. كما أن هذا العالم الذى تحدث عنه روبيو لا يتضمن إلزام لإسرائيل باحترام سيادة الدول العربية بما فيها الحليفة والصديقة لواشنطن، ولا يعترف بحقوق الدول العربية فى الدفاع عن نفسها وأراضيها فى مواجهة استباحة إسرائيل للعديد منها.
‎جاءت تصريحات الوزير الأمريكى فى الوقت الذى أصدر فيه قادة الدول العربية والإسلامية المشاركون فى قمة الدوحة بيانهم الختامى الذى جاء فى أكثر من 2100 كلمة، من «الكلام الصامت» الذى اعتدنا عليه من القمم العربية والإسلامية منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى غزة وحرب الاستباحة ضد لبنان وسوريا واليمن، وأخيرًا قطر. فهذا البيان لم يتضمن أى قرار ملزم لمعاقبة إسرائيل أو الضغط على الولايات المتحدة، رغم وجود العديد من أوراق الضغط التى يمكن استخدامها بدءًا من غلق الأجواء العربية والإسلامية أمام الطيران الإسرائيلى، ووصولًا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وهى كلها إجراءات سبق أن استخدمتها الدول العربية والإسلامية ضد بعضها البعض، واستخدمتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية بقوة أكبر ضد روسيا عقابًا لها على غزوها أوكرانيا.
‎تصريح روبيو عن عالم أمريكا المثالى، يجب أن يكون جرس إنذار قويًا للحكام العرب والمسلمين إذا كانوا حريصين على مصالح بلادهم ومستقبلها أكثر من حرصهم على رضا واشنطن عنهم. فالوزير الأمريكى لا يرى أى مشكلة فى استمرار حرب الإبادة التى تنتهك كل قوانين الحروب وأعرافها حتى تستسلم المقاومة الفلسطينية وتعلن تصفية نفسها، وهو شرط لم يعرفه العالم المعاصر الذى يعترف بحق الشعوب فى مقاومة الاحتلال، بل تعترف به واشنطن بالنسبة لشعب أوكرانيا فى مواجهة الغزو الروسى.
‎وإذا كانت تصريحات روبيو التى أدلى بها فى تل أبيب أو فى الدوحة قد عكست استهانة كاملة بكل ما قاله القادة العرب والمسلمون عن ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وحق الشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة، جاء الكيان الصهيونى ليرد على بيان القمة الفارغ من أى مضمون حقيقى بإطلاق حملته المدمرة على مدينة غزة ثم قصف ميناء الحديدة اليمنى دون أى مبرر اللهم إلا توجيه رسالة إلى هؤلاء القادة بأنهم ما داموا يتكلمون دون أن يتحركوا، فإن كلامهم سيظل بلا قيمة لدى حكام تل أبيب، وأنهم سيواصلون قصف الدول العربية، وأن الدوحة لن تكون آخر العواصم التى يستبيحها الاحتلال، كما أكد العديد من المسئولين الإسرائيليين قبل القمة وبعدها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved