مجلس التعاون فى دوَّامة المخطَّطات
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الجمعة 17 أكتوبر 2014 - 8:20 ص
بتوقيت القاهرة
من حقّ المواطن فى دول مجلس التعاون أن يطرح السؤال التالى: ما الهدف الوطنى أو القومى من وراء إقحام هذه الدول نفسها فى كل صراع أو خلاف أو تنافس سياسى يظهر فى أية بقعة من الوطن العربى، بل وأحيانا خارج هذا الوطن؟
فى الماضى، وقبل قيام المجلس، أقحمت بعض دول الخليج العربية نفسها فى صراع دولى بين المعسكر الرأسمالى والمعسكر الاشتراكى حين جيَشت وموّلت آلاف الشباب من مواطنيها ليحاربوا ويستشهدوا فى أفغانستان تحت راية، وضعت كل تفاصيلها الاستخبارات الأمريكية، وذلك باسم حماية الإسلام. ولا حاجة لذكر النتائج الكارثية لذلك الإقحام، فهى لازالت ماثلة أمامنا فى السّفك الجنونى الذى تمارسه القاعدة لدم الأبرياء من العرب والمسلمين والبشر الآخرين فى كل بقاع الدنيا، وفى الاستباحة الأمريكية المطلقة لكل أرض العرب والمسلمين بعد أن ساهم «الجهاديون» فى أفغانستان فى تدمير الاتحاد السوفييتى الذى كان عنصر توازن دولى فى منطقتنا.
هل تستطيع سلطات الدول، التى أقحمت نفسها فى ذلك العبث الدولى، أن تقول لنا ما الذى استفادته دولها على المستويين الوطنى والقومى من المساهمة فى تدمير الاتحاد السوفييتى؟
•••
اليوم تمارس ذات الدول، وتجُّر معها بقية دول مجلس التعاون، إقحام النفس العبثى ذاته، والسّماح لأن تكون بلدانها وأموالها الأداة ذاتها فى يد اللاّعبين الدوليين الكبار، وعلى الأخص فى يد استخباراتهم.
هذا الإقحام، الذى يستغربه القاصى والدانى، الذى يأخذ أحيانا أشكالا كارثية، متواجد فى الصّراعات الليبية، فى الانتخابات التونسية، فى الخلافات اللبنانية، فى التجاذبات المصرية، فى الصُراع التدميرى السريالى فى سوريا والعراق، فى الانقسامات والمؤامرات فى اليمن، فى السودان والاردن وباكستان والدّاخل الخليجى نفسه والعديد من دول العالم.
هذا الإقحام، الذى يتدرّج ليصبح وباء سياسيا، يشمل ساحات الاقتتال الدموية، ساحات التنافس السياسى الانتهازى، ساحات الإعلام البذىء، ساحات المساجد ومدارس الفقه وحفظ القرآن وساحات مؤسسات المجتمع المدنى بكل اشكالها.
يسأل المواطن نفسه: كيف تستطيع دول متواضعة فى أحجامها السكانية وقدراتها العسكرية والصناعية والاقتصادية والثقافية والعلمية أن تدخل نفسها فى كل تلك الساحات وتتصرف وكأنها كتلة دولية كبرى؟ ذلك أن الكثير من التواجد غير المفسّر، بل والمحيٍّر، لدول المجلس، فى ساحات كثيرة ليس لما يحدث فيها أى ارتباط مباشر بمصالح دول المجلس الحيوية... هذا التواجد، الذى لا يهدأ على حال، آن له أن يطرح للنقاش بموضوعية تامة حتى يعرف المواطنون إلى أين يسير هذا المجلس.
•••
فى الساحات الشعبية هناك لغط كثير حول هذا الموضوع. هناك النظرية التى تفسّر كل ذلك بأنه يوجد قرار فى بعض الأوساط الدولية، ينفّذ بحذق وخبث، لعدم السماح لتراكم الثروة البترولية والغازية الهائلة فى يد حكومات دول مجلس التعاون لئلا يوجد فى المستقبل وزن مؤثّر عربى فى الأسواق الاقتصادية والمالية العالمية.
من هنا الضغط الغربى الدائم على دول مجلس التعاون لتسدّد فواتير الحروب والصٍّراعات فى هذا الإقليم ولتساهم بشكل كبير فى إعادة إعمار ما تهدّمه تلك الحروب والصّراعات. ومن أجل ذلك تطورت الضغوط لإقحام دول المجلس فى تجييش وتسليح التكفيريين من جهة وفى دفع الرشاوى وشراء الذمم لهذه الجهة السياسية أو الإعلامية أو الدينية أو تلك من جهة أخرى.
وتكتمل الصورة ويتضاعف الإغراء عندما تتناغم الرغبة الخارجية الخبيثة مع الأسباب الانتهازية الداخلية، وما أكثر صورها وبلاداتها ومهازلها، لتصبح دولنا الخليجية، بقصد أو بغير قصد، مصدر تنفيذ لإرادة الخارج بالوكالة، ومصدر تمزيق وخلط أوراق فى الساحة السياسية القومية، بل مصدر وأداة لكل أنواع الجنون القبلى والاثنى والمذهبى الطائفى.
•••
هناك ثروة عامة تخصُ المواطنين الساكنين فى هذه الأرض العربية تحرق وتبعثر دون رقابة أو محاسبة برلمانية وإعلامية ومجتمعية، ودون أن يعرف المواطنون لماذا وكيف وإلى أين وما هو الثمن.
إنها مأساة غياب الديمقراطية الحقة، إنها مأساة الضعف التاريخى للمجتمع ومؤسساته المدنية، إنها التهميش المتعمد للمواطن، إنها جريمة بحق الأجيال القادمة.
والنتيجة المفجعة هى نجاح الطمع والخبث الخارجى وبلادة وقلة حيلة الداخل فى ضياع فرصة تاريخية لاستعمال ثروة مؤقتة ناضبة، تدُر أكثر من تريليون دولار فى السنة، لإدخال أمة العرب، كل أمة العرب، فى عصر ذهبى جديد.
أين فواجع الميثولوجيا الإغريقية من فاجعة العرب التى يعيشونها الآن؟!