مطر من الوجع

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 17 نوفمبر 2024 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

تمطر السماء ماء مع تغير الفصول أو هكذا ما اعتدناه منذ صغرنا رغم أن طقس الخليج لم يعد يسمح حتى بالمطر إلا لبضع سويعات أو فى المقابل تأتى السيول لتجرف الأرض وما عليها، لا حل وسطا، ولا مطر بذرات خفيفة ما يلبث وأن يغسل الشجر والحجر وحتى القلوب المتعبة من أزمان الجفاف التى طالت.

•  •  •

ننتظر المطر لسنين، أما خلال هذا العام فأصبح الدعاء «اللهم أبعد عنهم الأمطار والعواصف»، فيكفيهم ما هم فيه من قتل وذبح وتشرد. لمدة سنة ونحن نراقب الجو خوفا عليهم من أن تتكالب الطبيعة فتقف مع مجرمى الحرب الصهاينة وهم ينفذون حرب إبادتهم المستمرة على كل فلسطين وكل لبنان والقادم أكثر رعبا.

•  •  •

هذا الشتاء يتسلل ببطء ليكسر أشهر من قيظ، فتعود النوارس وتُفتح النوافذ تدريجيا بعد «الحشرة» فى الأماكن المغلقة والمكيفة ويفرح كُثر بعودته - أى الشتاء - ولو لفترة قصيرة. ولكننا منذ عام نخاف من الشتاء أن يُغرق خيمة وتتحول الشوارع الرملية إلى طين ويصبح العيش الصعب جحيما على جحيم فى شوارع غزة والضفة وجنوب لبنان والضاحية، بل كل فلسطين وكل لبنان حيث ينتشر النازحون والنازحات بمئات الآلاف، بل فاق عددهم المليون. نخاف من قطرة المطر على خيمة النزوح العاشرة بعد المائة، كم خيمة نزح لها الفلسطينى قبل أن يستقر فى شقة بشمال غزة ليست بعيدة عن بحرها؟ تصور هو أنها ستكون مسكنه لسنين قادمة وبقى قابضا على مفتاح بيته فى يافا وعكا وحيفا لأنه يعرف أنه عائد لها يوما هو أو أبناؤه وبناته، فيلعبون تحت شجرة التين تلك فى حديقة المنزل حيث كانت جلسات المساء فى استقبال الجيران والأصدقاء.

•  •  •

كم هو حنين جارف لتلك المنازل التى هجروا منها قسرا فأصبحت بيتا لمستوطن لا يعرف من الحياة سوى قتل الفلسطينى، بل العربى ولم يتعلم فن الحياة التى أتقنها الشعب الفلسطينى حتى بعد التهجير والنزوح لمرة ومرات، بل عشرات منها. ألم تصلكم صور المعلمة فى خيمة والأطفال يصغون لها بكل جوارحهم رغم بردهم وجوعهم ثم يقومون فى الاستراحة ليغنوا ويرقصوا على أنغام موسيقاهم وأغانيهم المغمسة بحب فلسطين؟ كيف يقال لمثل هؤلاء الأطفال، بل لهذا الشعب إنه لا يحب الحياة؟ كما قيل عن من وقفوا عند حدود فلسطين الشمالية فى جنوب لبنان وهم يبعثون برسائل الأمل والتضامن، هم الآخرون يحبون الحياة أيضا وليسوا كما يقول بعضهم على تلك المحطات ومواقع التواصل أنهم «أهل موت!»

•  •  •

من يغرس الزيتون وينتظر لسنين أن يقطف الثمار هو من يعرف معنى الحياة. من يصنع منه ومن الزعتر وجبة تحولت إلى العالمية هو أيضا من يعرف معنى الحياة. وتلك الأم أو الجدة التى تطرز ثوبها بألوان وتصاميم تختلف من بلدة لأخرى وتبقى الثوب خلف الثوب لتتوارثه الأجيال ويصبح زيا لكل محبى الحرية والعدالة والكرامة فى العالم، هى الأخرى من تعرف معنى الحياة وتحبها.

•  •  •

من تمسح دمعها وتمضى بعد أن دفنت أبناءها الأربعة لتقول «فدى فلسطين» أو «فدى لبنان وطنى» هى الأخرى تعشق الحياة وتعرف كيف تعض على وجعها حتى تعود لتضع المفتاح فى ثقب باب البيت وتدخل لتحدث الجدران عن قصص هنا وهناك، فتلك الحيطان ليست صماء، بل هى سجلت وخزنت حكايات وروايات ونقاشات وموسيقى وأغانى وبكاء أيضا. الحيطان التى لم تتقبل سكانها المغتصبين هى الأخرى ستفرح بعودة الحياة لمنازل بغرف متعددة لكل منها صورة ورواية.

•  •  •

يأتى الشتاء وقد يصاحبه مطر وبرق ورعد رغم أن أصوات طائراتهم قد ضجت فوق رءوسهم لأشهر وأشهر فيبدو الرعد أكثر رحمة من جنود وطيارى الإبادة والتطهير العرقى أولئك المرضى بالدم والعنف، حتى أن مدن الكون وأرض الله الواسعة لفظتهم، ألم يقل فى كتابه أن الأرض يرثها عبادى الصالحون؟ هم بل أنتم أهلنا فى فلسطين ولبنان وكل المقاومين أنتم عباده الصالحون وأنتم من ستبقون على الأرض رغم مطر الوجع المستمر الذى تعيشونه ونعيشه معكم رغم عجزنا.

 

كاتبة بحرينية

 

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved